الفساد: الكولسترول السياسي!

TT

كان لافتا وغريبا أن التهم التي وجهت لكثيرين من المسؤولين المصريين السابقين، بمن فيهم الرئيس السابق محمد حسني مبارك ونجلاه علاء وجمال، تضمنت تهمة «تضخم الثروة»، وهو لفظ جديد ولكن طال انتظاره، لأن التضخم الوحيد الذي كان يعرفه الناس من قبل كان تضخم البروستاتا أو تضخم الطحال أو تضخم «الأنا»، ولا يمكن طبعا إغفال أو نسيان تصريحات «التضخم ومعدلاته» الاقتصادية على ألسنة بعض المسؤولين الذين يقدمون تحاليل وتوصيفات تقع ما بين الدجل والكوميديا ولكن أن يكون الاتهام «صريحا» بهذا الشكل، ويفتح بشكل صريح ومباشر، ودون الاستخفاف بعقول الناس، ملف الفساد المزعج والخطير فهي مسألة تستحق الإشادة والاحترام والمتابعة بدقة شديدة جدا. الفساد هو الملف الأكثر خطورة في عوالم السياسة العربية، وعدم مواجهته بسرعة وعدل ومساواة وأمانة يبطل كافة النوايا الحسنة مهما كانت جميلة، والفساد تحول إلى «كولسترول سياسي» يدمر ويسد كافة شرايين الحياة في الجسد الوطني للحكومات والشعب، وعاجلا أو آجلا سيكون نتيجة ذلك «جلطة» كبرى تشل طموحات الناس وتفقد وتهدم جسور الثقة بين الحاكم والمحكوم، مولدا مناخا مسموما خطيرا لا تستقيم معه وعود ولا آمال ولا إصلاحات مؤقتة وخجولة.

بعض الحكومات العربية قامت بالإعلان عن أنظمة وقوانين وتشريعات مهمة تندرج تحت الجملة البراقة «من أين لك هذا؟» وكما يبدو من هذه الجملة أن الهدف من هذه الأنظمة والقوانين هو كشف الثراء غير المشروع واستغلال المنصب لتحقيق المنافع الشخصية، وقد صيغت هذه الأنظمة في مجملها بلغة قوية وقانونية حاسمة تثير الإعجاب، ولكنها ومع مرور الوقت اكتشف الناس أنها مجرد حبر على ورق أعدت لأن «السوق والجمهور كان هيك بدو»، فالعالم كان يتحدث عن الحكم الرشيد والحكومة المسؤولة والشروط التي تصاحبها وبالتالي اضطرت الحكومات لإصدار تشريعات من هذا النوع، ولكن الواقع المؤلم كان غير ذلك. كان الفساد يزيد ويستشري، وعلامات ظاهرة وفاضحة في كل مجال ولا أثر لمحاسبة ولا معاقبة، مسببة بالتالي حالة من الإحباط والقنوط وعدم التصديق في كل ما يقال بخصوص مكافحة الفساد. الفساد مسألة واضحة جدا وليست بحاجة للفلسفة والتعقيد، ولكن القدرة على تنفيذ محاربتها بشكل عادل وسوي هي مربط الفرس، لأن التحدي في شرعية الحكم يكون بتحقيق العدل وإنجاز الكرامة، وليست بالمجاملة ولا الخوف من الإحراج من قبل أعضاء الدوائر المغلقة المنتمية للمحاسيب والأنصار.

تهمة التضخم في الثروة دخلت التاريخ وسجلت حضورا قانونيا بأحرف من ذهب وهي أحد أهم إنجازات الثورة المصرية مع الأمل أن يتحقق من خلال التحقيقات التي تتم بحق المتهمين منظومة العدل وليس غريزة الانتقام والتشفي، وشتان الفارق الكبير بين المسألتين. هناك سقف أخلاقي وقانوني جديد قد تم رفعه اليوم في الضمير الشعبي العربي وهو متعلق بضرورة مكافحة الفساد لأنه سرطان فتاك ينهش في الجسد الوطني ويدمر خلاياه، ولا بد من إعلان الحرب على رموزه والجهاد ضده وليس فقط على أشخاص «محددين» ولكن على كل من يكون فاسدا أو من يكون مفسدا لأن المستفيد من الفساد لا بد له من مساعد على الفساد يمكنه من ذلك، وكلاهما خطر. كما أعلن في يوم ما الحرب على الإرهاب لا بد أن يكون هناك إعلان جريء وفوري في الحرب على الفساد دون مجاملة ودون معاملة سطحية للمسألة.