ناصر الخرافي إلى رحمة الله

TT

بوفاة رجل الأعمال الكويتي الكبير ناصر الخرافي يكون مجتمع الأعمال العربي قد خسر شخصية من الوزن الاستثنائي النادر الفريد، بالإضافة لكون الرجل أحد أهم وأنجح الاقتصاديين والمستثمرين العرب الذين تمكنوا، بفعالية، من تكوين أنشطة تجارية وصناعية وخدمية متنوعة وعابرة للحدود.

كان الرجل مؤمنا، بشكل استثنائي وعملي، بأهمية الوجود الاستثماري البيني العربي، وانتشرت مجموعته بنجاح في الأقطار العربية، وحرص على الوجود بشكل أساسي في مصر والسعودية، لإيمانه العميق بأهمية الدولتين بالنسبة للعالم العربي بشكل عام.. كان من خريجي مدرسة فيكتوريا العريقة بمصر، التي عرفت خريجين وطلبة من جميع أنحاء العالم العربي، أعلاما ورجالا ناجحين، من أمثال: الملك حسين، وهشام ناظر، وزيد الرفاعي، وغسان شاكر، ويوسف القصبي، ومحمد شربتلي، ويوسف جميل، وغيرهم.. تأثر بالثقافة المصرية وآمن بأهمية الدور والثقل المصريين، وكان على تواصل اقتصادي مستمر مع قياداتها طوال الأزمات والخيرات، وكم كان لافتا أن تكون نهايته وخاتمته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى في بلد أحبه وأحب شعبه، في مصر تحديدا، التي أصر على زيارتها لتفقد أحوالها وأحوال شركاته فيها بعد الثورة.

كانت لي مع الراحل مواقف مختلفة بحكم علاقة الصداقة والزمالة الدراسية التي كانت للرجل مع والدي، يرحمه الله، أتذكر اتصالا هاتفيا وصلني منه بعد سويعات من الغزو العراقي الغاشم للكويت، وكان هو وقتها بالعاصمة الإنجليزية لندن، وكان يسألني بخوف وقلق شديدين: «هل وصل الأمير إلى السعودية؟ هناك أخبار أنه غادر الكويت للسعودية»، في استفسار عن وصول الأمير جابر الصباح للسعودية بعد الغزو.. اجتمعت به بعدها في لندن وكان خائفا وقلقا وتزعزع موقفه من القومية العربية التي روج لها العراق، لكنه كان واثق الإيمان بالسعودية ومصر، كان حريصا على إظهار الموقف الصادق والجريء والشجاع أمام الإدارة الأميركية ، بقيادة جورج بوش الابن وجماعة المحافظين الجدد المصاحبة له، فأنزل حملة من الإعلانات في الصحف الأميركية تعترض على السياسة الأميركية التي تتهم الإسلام والمسلمين بشكل همجي وعشوائي.

كان صاحب رؤية استراتيجية استثمارية نافذة، وانفتح على الأسواق الأفريقية والشرق أوروبية وقت كان الجميع يعتقد أن هذه المناطق محفوفة بالمجاهل والمخاطر، لكنه كسب الرهان ونال الجدارة والاحترام بالعمل الجاد. نجح في مجالات حيوية صعبة مثل الصيرفة والمقاولات والمطاعم والاتصالات، وكان أحد أهم محركي الأسواق والمؤثرين فيها من دون «قوائم» علاقات عامة يهتم بشرائها، أو لقاءات وتصريحات وصور، بمناسبة ومن دون مناسبة. كان مقلا جدا في الظهور الإعلامي، وكان وجوده العام محسوبا، ويؤمن باختيار التنفيذيين الفاعلين ومنحهم الثقة والصلاحية، وكان «مدرسة» في الإدارة يُضرب بها المثل حتى اليوم.

كان لـ«أبو مرزوق» نظرته الفاحصة في علاقة السياسة بالإعلام، والإعلام بالاقتصاد.. أسهم في مشاريع إعلامية بحذر شديد، وكان يخشى ويحذر التدخل الديني والطائفي والإقليمي في شؤون العرب. اهتم بالمبادرات التعليمية عن يقين وقناعة؛ لإيمانه بأن العلم هو الذي سيمكِّن العرب من بناء جسور النقلة المطلوبة لتأخذهم إلى مصاف العالم الحديث وأن انشغالنا بقضايا هامشية كان على حساب ما هو أهم.

رحم الله ناصر الخرافي رحمة واسعة، سيفقده مجتمع الأعمال وسيحزن عليه لفترة طويلة جدا.. أسكنه الله فسيح جناته وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.

[email protected]