الدكتورة فالنتينا

TT

تذكر الروس الأسبوع الماضي مرور نصف قرن على سفر يوري غاغارين في أول رحلة لبشري حول الأرض. كان اسم بلدهم يومها الاتحاد السوفياتي. وكانت آيديولوجيتهم الشيوعية. وكان زعيمهم فلاح سابق من أوكرانيا يدعى نيكيتا خروشوف. وبعد عامين أطلق السوفيات إلى المدار نفسه أول رائدة فضاء في التاريخ. كانت عاملة في مصنع نسيج. هوايتها الهبوط بالمظلات، وتدعى فالنتينا تيريشكوفا. يوري كان في السابعة والعشرين وفالنتينا كانت في الخامسة والعشرين، السن الذي تبدو فيه الرحلة إلى خارج الأرض نزهة في غابة بعيدة، غامضة المفاجآت.

ارتعدت فرائص أميركا. كيف يذهب هؤلاء الشيوعيون إلى الفضاء وماذا يعدون. وكانت موسكو قد أطلقت عام 1957 إلى مدار الأرض الكلبة لايكا. إذا كانت هذه قوتهم في الفضاء فماذا يخبئون على الأرض. تبختر الاتحاد السوفياتي. وجاء نيكيتا خروشوف بنفسه يحضر حفل زواج الرفيقة فالنتينا من رائد فضاء أيضا. واكتشف العالم أن في إمكان الإنسان أن يدق أبواب كواكب أخرى.

نسي قطبا الحرب الباردة المنافسة الأرضية ودخلا لعبة النجوم. وهبط الأميركيون على القمر، ثم أرسلوا العربات إلى المريخ وعطارد. ثم أقاموا مرأبا لتصليح العربات في الفضاء. ثم صارت العربات الروسية والأميركية تضرب المواعيد في المدار. وصار المدار بدل الأرض نفسها ساحة العلوم ومختبر التقدم. ودار حول الكوكب الأزرق 500 رائد فضائي، بينهم الأمير سلطان بن سلمان، العربي الوحيد الذي شاهد هذه المنطقة بألوانها الساحرة. أوقف الأميركيون أخيرا برنامج أبوللو. ولا نعرف ماذا يخططون الآن. وقل لمن يدعي في العلم معرفة أن العلم لا يزال في بداية الطريق. كلما اخترع آلة اكتشف أنها مجرد منصة لآلة أكثر أهمية. ذهب ليرى ماذا في مدار الأرض فملأه أقمارا اصطناعية هي التي تشغل اليوم تلفزيوناتنا وهواتفنا. وكانت القصائد عن طائر «القبّرة» ترفق بصور له على خطوط التليفون، والآن تصور دعايات الهواتف في القطب الجنوبي أو في بلاد الدالاي لاما. اخترع الأميركيون القمر الاصطناعي واستغلته فنلندا في تزعمها لعصر الهاتف الجوال. وفنلندا هي البلد الذي هزم الاتحاد السوفياتي بسلاحه: الثلج والشتاء الطويل. وبين الذين قضوا في الحرب والد فالنتينا تيريشكوفا. وبعد عودتها من رحلة المدار سألها خروشوف عن أمنيتها، معتقدا أنها ستطلب منزلا في الريف أو شقة في موسكو. وقالت فالنتينا لسيد الكرملين: قتل أبي في معركة فنلندا ولا أحد يعرف أين دفن. أريد نقل رفاته إلى هنا. وأمر خروشوف بأوسع عملية من نوعها في تاريخ السوفيات. وتم العثور على رفات الجندي تيريشكوفا ونقله إلى موسكو. ولم تطلب فالنتينا شيئا آخر، بل انصرفت إلى عائلتها وإلى إكمال أطروحتها في علوم الفضاء.