«الراجل.. أبو سكينة»

TT

على وزن ما أطلق عليه «الراجل اللي ورا عمر سليمان» يوم إعلان تنحي مبارك.. و«الراجل أبو جلابية» في مباراة الزمالك في الفوضى التي حدثت في المباراة مع الفريق التونسي، فإن صاحب الصورة التي لا بد أنها استرعت انتباه كثيرين ونشرتها «الشرق الأوسط» وصحف كثيرة أخرى يوم احتجاجات السلفيين في مدينة الزرقاء الأردنية يستحق لقب «الراجل أبو سكينة» باعتبار أنه ظهر يخطب في جمهور وهو يحمل سكينة مطبخ من الحجم الكبير في يده ويلوح بها.

والقضية هنا ليست الأحداث في حد ذاتها التي كانت عنيفة في المدينة الأردنية وأسفرت عن إصابات واعتقالات، فمن حق الناس أن يعبروا عن رأيهم، ويطرحوا مظالمهم، لكن المثير للحيرة هو ما كان يفكر فيه صاحب السكين وهو يخطب في الناس ويلوح بسكينته، وما هو هذا الخطاب أو الفكر السياسي المدعوم بالأسلحة من المطبخ المراد توصيله للناس؟ والذي لا يصلح إلا لو كان المقصود هو جمهور من الخراف يراد ذبحه.

الغريب أن هذا المشهد المتمثل في التيار السلفي ظهر بأفكار غريبة في أكثر من دولة عربية بعد موجة الثورات والاحتجاجات الأخيرة.. بأفكار وممارسات غريبة ليس المقصود منها مفهوما، فهي كلها مستفزة للناس شكلا وجوهرا، إلا لو كان المقصود هو مجرد إثارة الفوضى والتخويف.

فهنا سكينة يلوح بها للناس، وهناك هدم أضرحة، ومحاولة فرض الإرادة بالذراع وكلام عن مساوئ الديمقراطية لأنها تعتبر مصدر الشرعية هو الشعب.. بعبارة أخرى كلام كله عبث، وليس فيه أي فكر سياسي أو تصور لطريق نحو المستقبل مثل كلام الظواهري الذي خرج ليدلي بدلوه فلم يهتم به أحد.

لا نستطيع إنكار أن هذا التيار موجود في المجتمعات العربية، وهو ليس ابن اليوم، بمعنى أنه لم يظهر فجأة، وعلى العكس فإنه ينبغي على القوى السياسية المختلفة أن يكون لديها دراسات متعمقة في السبب في نمو هذا التيار في العقود الماضية، وهل كان ذلك تعبيرا عن حالة مجتمعية أو ثقافية، أو برعاية رسمية ضمنية لضرب تيارات أخرى أو بلبلة المجتمع.

لقد ظهر هذا التيار بصوت عال بعد الثورات والاحتجاجات الأخيرة، وهو واضح بشكل خاص في المشهد المصري، ما أثار خوفا وقلقا بين القوى الأخرى الراغبة في رؤية تحول سلس وسلمي نحو دولة مدنية ديمقراطية في مسيرة لا أحد يتوقع أن تكون سهلة.

هذا الخوف أو القلق يجب ألا يدفع إلى حد المطالبات بإجراءات استثنائية أو إبقاء رموز هذا التيار في السجون والمعتقلات من دون أن يكون عليهم أحكام ينفذونها، فإذا كان المطلوب ديمقراطية ومدنية حقيقية، يجب أن يعطى الجميع فرصتهم سياسيا شرط عدم اللجوء إلى العنف، والمجتمع نفسه هو الذي يقوم بالفرز ويصحح الأحزاب والتيارات عبر صناديق الاقتراع، وليس معقولا أو متصورا أن الناس ستنتخب شخصا أو فكرا يلوح لها بسكين.

بعبارة أخرى، فإن القوى الطامحة إلى الديمقراطية والتحديث عليها التخلي عن تنظير المقاهي، والنزول إلى الملعب، فهي لا تستطيع أن تحدد وتهندس الملعب على هواها قبل أن تنزل إلى اللعب وإلا سيظل عودها طريا وستلعب دائما في إطار «محميات»، فالفكر يقابل بالفكر، والسياسة بالسياسة الحقيقية.