الله يبعدنا عن الكرم والعقل

TT

مقالي اليوم عن الكرم والكرماء، والعقل والعقلاء، وكل فقراته حقيقية وليست من بنات أفكاري، فقد جاء بالأخبار أن أحد كبار الأغنياء في أحد البلاد الأوروبية قد خصص نصف إيراده لعلاج المرضى الفقراء من كل جنس ودين وطائفة..

وقد قال له مرة أحد رجال الكنيسة:

- أليس من الخير أن تخصص هذا المبلغ لمرضى الدين الذي تنتمي له دون سواهم؟

فأجابه الرجل غاضبا:

- لا يا سيدي.. إن جميع المرضى عندي سواء، فليس ثمة طاعون مسيحي، ولا سل إسلامي، ولا سرطان هندوسي.

وفي تاريخنا القديم يذكر أنه خرج مرة عبد الله بن العباس في سفر ومعه تابع له.. فلما جن الليل نزلا بأقرب بيت من الشعر. فرحب بهما صاحب البيت من غير أن يعرفهما - وقد كان أعرابيا فقيرا - ثم دخل إلى زوجته وقال لها:

- هل من عشاء لضيفينا؟ فقالت:

- لا، ليس لدينا سوى هذه الشاة.. وحياة ابنتك كما تعلم في لبنها!

فقال: «لا بد من ذبحها!».

قالت: «أتقتل ابنتك؟»، قال: «ولو!».

ثم ذبح الشاة وهيأ منها طعاما لضيفيه. ولكن عبد الله سمع الحوار الذي جرى بين الرجل وزوجته.. فلما أقبل الصباح قال عبد الله لتابعه: «كم معك من النقود؟»، قال: «خمسمائة دينار بقيت من نفقتنا». قال «ادفعها للأعرابي». قال: «أتعطيه خمسمائة دينار، وقد ذبح لك شاة ثمنها خمسة دراهم؟». قال: «ويحك.. والله لهو أسخى منا وأجود.. لقد جاد هو علينا بكل ما يملك، أما نحن فإننا سنعطيه بعض ما نملك».

وفي تاريخنا الحديث يقال إن هناك مسؤولا كبيرا تقدم له أحد أصحاب الحاجة بمعروض يطلب منه المساعدة، فشرح على معروضه أن يعطى خمسة آلاف، غير أنه كتبها بالأرقام وبدلا من أن يضع خلف الخمسة ثلاثة أصفار وضع سهوا أربعة أصفار، وعندما ذهب الرجل بالمعروض للوكيل أراد أن يعطيه خمسة آلاف فقط، غير أن الرجل رفض وعاد مرة أخرى للمسؤول ليشكو ويستعلم منه، فما كان من المسؤول إلا أن قال له: والله لن يكون قلمي أكرم مني، وتناول قلمه مرة أخرى وأضاف على النقاط الأربعة نقطة خامسة، وشرح كتابة تحت الرقم العبارة التالية يعطى خمسمائة ألف.

غير أن مثلي الأعلى بالكرم والعقل هو: (سهل بن هارون)، وذلك عندما أتاه رجل فقير يشحذه قائلا:

هبني درهما، فإنه لا ينقص من مالك الكثير.

فغضب سهل وأجابه: يا أخي، والله إنك قد أهنت الدرهم بكلامك هذا، ألا تدري أن الدرهم هو عشر العشرة، والعشرة عشر المائة، والمائة عشر الألف، والألف دية المسلم، وهل بيوت المال ما هي إلا درهم على درهم؟!

اغرب عن وجهي ثكلتك أمك.

[email protected]