أسوار الداخل

TT

صدر كتاب «أسوار الطين» عام 1995، المرحلة التي كان فيها حسن العلوي في الكتابة السياسية أكثر منه في السياسة نفسها. ولا أدري كم هو عدد الكتب البحثية التي وضعها عن العراق منذ احتلال الكويت عام 1991. لكن عددا من الناس، بينهم الداعي لكم بطول العمر، لم يكونوا قد تعرفوا من قبل إلى كاتب عراقي، حديث يمارس حريته ومعرفته على هذا النوع من الدراسة والدراية والشجاعة.

وعدت إلى «أسوار الطين» لأنه يقارن بين نجاح التجربة الكويتية في بلد صغير مورده النفط وحده، والعراق في الفترة نفسها (1961 - 1991) وأنهاره وأراضيه وثرواته. كان العراق، منذ عبد الكريم قاسم، يحاول أن يحل كل مشكلاته في الكويت. أن يغني فقراءه من ثروات الكويت، وأن «يجعل السيارة في سعر النعجة» من ضم الكويت، وأن يحقق التقدم الاجتماعي والضمان فور ضم «المحافظة التاسعة عشرة»، كأنما المحافظات الثماني عشرة جرداء قاحلة وليس فيها ثاني أضخم احتياطي نفطي في العالم.

وكان السائد أن صدام حسين وحده مارس الخداع، عندما عانق الشيخ جابر الأحمد هاتفا: «جابر العرب». لكن حسن العلوي يقول إن عبد السلام عارف، الذي كان نائب قاسم ثم أشرف على اغتياله، استقبل وفدا كويتيا في بغداد، وفي اليوم التالي قرر الزحف على «الدولة الشقيقة».

يقول العلوي إنه «في فترة 1961 - 1990 تداول السلطة دستوريا ثلاثة أمراء كويتيين بعد وفاة طبيعية، بينما سجل في الجانب العراقي أربعة انقلابات ناجحة، وستة فاشلة، وأربعة لم تنفذ. وكانت الحصيلة النهائية إعدام أو اغتيال ثلاثة رؤساء حكومة، وثلاثة وزراء دفاع، وثلاثة مديري أمن، وسبعة من قادة الفرق، وحاكم عسكري عام، وتصفية زعماء ثلاث حركات كبرى هي: الحزب الشيوعي بأمر من رجال السلطة الجديدة، وحزب البعث العراقي الذي قتلت زعامته زعامته، والحركة الإسلامية، كما هو معروف».

تحاول بعض القوى في الكويت، تحت غطاء الديمقراطية ولحافها، نقل ثقافة التشفي السياسي وممارسة الاستبداد باسم القانون. ويسجل للكويت دائما أنها حلت البرلمان مرتين، لأن الذي يبقى في الذاكرة هو قرار الحل وليس أسبابه وظروفه والطريقة التي تم بها التعاطي مع الدستور. وبسبب الهاجس العراقي المزمن حاولت الكويت أن تبني سورا حديثا يذكر بسورها التاريخي، لكنها ما لبثت أن اكتشفت أن بعض العراق أكثر حرصا على التجربة الكويتية من بعض الكويت. و«أسوار الطين» التي يتحدث عنها العلوي جدران غير مرئية، مرة تكون خارج الحدود ومرة داخلها.