السعودية وليبيا وأميركا؟

TT

يطالب الأميركيون السعودية بإيقاف بث قناة التلفزيون الليبي الرسمية على قمر «عربسات»، بينما يقول السعوديون إنهم لا يملكون القمر الصناعي وحدهم، وبالتالي فليس لديهم السيطرة الكاملة لإيقاف بث الفضائية الليبية.

وتشير المصادر إلى أن هناك إلحاحا أميركيا على الرياض، بحجة ضرورة وقف دعاية معمر القذافي، وبالطبع فإن الطلب الأميركي غريب، ومحير، ولعدة أسباب. فقبل شهر من الآن، ووقت حملة التهييج على السعودية، كان جزء لا يستهان به من الإعلام الأميركي ينتقد السعودية، ويغمز في سهمها بحجة الرقابة وخلافه، واليوم نجد أن واشنطن تريد من الرياض التدخل لإيقاف بث قناة معمر القذافي!

ولا أعتقد أن هناك منطقا في مطالبة السعوديين بإيقاف بث القناة الليبية الرسمية طالما تم الكشف عن نية لإطلاق فضائية خاصة بالثوار الليبيين، فإذا كان مصدر القلق هو المعلومات التي تبث في الفضائية الليبية الرسمية، فلا أحد يشاهدها اليوم من أجل الحصول على المعلومات، بل من أجل الضحك والتندر، وللتأكد من ذلك يكفي فقط البحث في موقع «يوتيوب» لنرى كيف ينظر المشاهدون للمحطة الليبية الرسمية. وإذا كان الهدف ليس المواطن العربي وإنما الليبي، فمجرد إيقاف المحطة على القمر الفضائي لا يعني إيقاف بثها، حيث يفترض أن بإمكان الليبيين التقاطها أرضيا داخل ليبيا!

وبالتالي فلا جدوى من الطلب من السعودية أو غيرها إيقاف بث الفضائية الليبية، لكن هذه القصة تحفز المتابع للتوقف عند نقطة، بل نقاط مهمة، ومنها كيف تنتقد واشنطن الرقابة على الإعلام، ثم تطالب به، حتى ضد خصومها؟ وهل من علاقة لواشنطن بما فعله، مثلا، موقع «فيس بوك» حين أزال صفحة خاصة بالفلسطينيين، وأغلق حسابها، حيث كانت تطالب بانتفاضة ضد إسرائيل، وتجاوز عدد المشاركين في تلك الصفحة الثلاثمائة ألف مشترك تقريبا، ولم تحظ هذه القصة بنصيب من التغطية الإعلامية، مثل مواقع تافهة لم يتجاوز المشتركون فيها آلافا معدودة مثل تلك التي روجت ضد السعودية؟ وهل من علاقة لواشنطن أيضا بإغلاق إحدى الصفحات الخاصة بأحد مواقع الإخوان المسلمين المصرية مؤخرا على «فيس بوك»؟

هذه أسئلة مستحقة، وجديرة بالتأمل، خصوصا أن واشنطن تروج إلى عصر الانفتاح الإعلامي والتكنولوجي، من خلال الإنترنت، بينما تطالب بإغلاق فضائية القذافي، صحيح أنه سبق لواشنطن أن منعت قناة «المنار» التابعة لحزب الله في أميركا وغيرها، وهو أمر نؤيده، لكن السؤال هنا هو لماذا الانتقائية؟ ولماذا مثلا لا يطلب من الأوروبيين منع المقيمين لديهم من المتطرفين العرب من القيام بالبث التلفزيوني لترويج التطرف، وبث التحريض والكراهية، والنماذج كثيرة؟

وبالطبع فالقضية ليست دفاعا عن قناة القذافي، فالمشكلة في ليبيا ليست بفضائية العقيد، بل هي أكبر، فهذا الرجل لن يرحل ما لم يكن هناك عمل حقيقي وسريع، من قبل الناتو، فالأهم اليوم هو إيقاف ماكينته العسكرية، ومنع المرتزقة الذين يستخدمون للفتك والتنكيل بالأبرياء الليبيين، وليس إيقاف فضائية تلفزيونية مثيرة للتندر والضحك.

[email protected]