القائد المؤثر والقراءة

TT

كم من قائد عربي لا تحتمل الاستماع إليه وهو يرتجل خطابه لدقائق معدودات أمام الميكروفون. هذا الشعور الممل الذي يدفعنا إلى تغيير القناة التلفزيونية أو الموجة الإذاعية فور ظهور هذا المسؤول ليس نابعا دائما من عدم تمتعه بملكة التحدث أمام الآخرين، بل لأنه ببساطة «لا يقرأ»، فتجده يتلعثم كثيرا، لأنه لا يجد المفردات المناسبة والبديهية التي تعبر عن أفكاره ومشاعره وأحاسيسه. وصدق الجاحظ حين قال «إن الكتاب إذا نظرت فيه أطال إمتاعك وشحذ طباعك وبسط لسانك وجود بيانك وفخم ألفاظك.. ومنحك تعظيم العوام».

ومن أبجديات القيادة أن يكون القائد مؤثرا في الآخرين، من خلال توجيههم نحو تحقيق الهدف، عبر قدراته التواصلية، وما القراءة إلا أحد أهم الطرق المؤدية إلى هذا الهدف. ولذا ينصح الدارسون في مراكز القيادة أو المقبلون على مناصب رفيعة بمزيد من القراءة والاطلاع. والمتأمل لأبرز القياديين المؤثرين في العالم يجد أن الكتاب هو جليسهم مهما كانت مشاغلهم. وفي مقدمتهم الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي قال «إنه لا يزال يعطي وقتا لبعض القراءة الجانبية»، كما أنه لا يفارق الكتاب في عطلته الصيفية حيث اصطحب معه مؤخرا نحو 3 كتب، منها رواية لم تنشر بعد، وخصته بها إحدى دور النشر. ولأنه يدرك أهمية القراءة في تغيير حياة الفرد فقد كتب بنفسه أثناء فترة رئاسته كتابا للأطفال، ونشرت له صحيفة «الشرق الأوسط» في صدر صفحتها الأولى لقطة جميلة وهو يقرأ لأطفال في مدرسة.

أما الرئيس جورج واشنطن فقد خلف وراءه نحو ألف كتاب، وترك الرئيس جيفرسون نحو 6 آلاف كتاب في مكتبته العامرة. ويروى أن الرئيس الأميركي روزفلت كان يقرأ كتابا كاملا في الصباح باتباع تكنيكات القراءة السريعة.

وعرف عن الرئيس المفوه بيل كلينتون أنه قارئ نهم جدا، إذ كان يلتهم الكتب التهاما، فهو يعشق الروايات الأدبية والكتب الجادة التاريخية والفلسفية، ويعد من الرؤساء العالميين المؤثرين جدا أثناء التحدث من شدة الأسلوب البلاغي الذي يتمتع به.

وعرف أيضا عن الرئيس المصري جمال عبد الناصر نهمه بالقراءة السياسية والتاريخية والأدبية، ونشرت عنه قائمة بالكتب التي قرأها في كل مراحل عمره. ويروى أنه عندما أثارت رواية نجيب محفوظ «ثرثرة فوق النيل» حفيظة أحد كبار قادة الجيش، بسبب نقدها «العنيف لسلبيات قائمة في المجتمع»، سارع عبد الناصر إلى قراءة الرواية وقال ما معناه «إحنا عندنا كام نجيب محفوظ؟ إنه فريد في مكانته وقيمته وموهبته‏، ومن واجبنا أن نحرص عليه كما نحرص على أي تراث قومي وطني يخص مصر والمصريين»، بحسب ما رواه الأديب رجاء النقاش‏.‏ وكان الرئيس السادات أيضا قارئا نهما. وللأسف الشديد فإن المعلومات المتوافرة عن القياديين العرب في هذا الجانب تكاد تكون معدومة.

القراءة عموما، مهمة للقائد لأنها توسع مدارك فكره، وتجعله ينظر إلى الأمور بمنظور مختلف، ومن زوايا متعددة، وتمده أيضا بأفكار متنوعة. ولذا يفضل أن يقرأ القائد في تخصصه وفي تخصصات أخرى حتى يكون ملمّا بأمور متعددة. ونظرا لأهمية القراءة تحتفل منظمة اليونيسكو السبت المقبل 23 أبريل (نيسان) بيوم الكتاب العالمي وذلك ترويجا لقراءة الكتب.

ولمن لا يجدون متسعا من الوقت للقراءة يمكنهم الاستعانة بالكتب الملخصة (الصادرة حديثا) في موقع «summaries.com» حيث يلخصون كل أسبوع كتابا مهما في ثماني صفحات. وهناك موقع آخر عنوانه «summary.com» يقدم الفكرة ذاتها، وموقع «edara.com» الذي يقدم خلاصات الكتب باللغة العربية، وهي كلها خيارات جيدة تساعد القائد وغيره على الاستزادة المعرفية.

ومهما كانت مشاغلنا كبيرة فيبقى الغربيون أيضا مشغولين جدا، ولكنهم حولوا القراءة إلى عادة يومية، فتجدهم يقرأون في المطار والطائرة والقطار والمنزل، جلوسا وقعودا ووقوفا في كل مكان، حتى أضحت عادة يومية نافعة تلازمهم. ويا لها من عادة. وعليه يفضل أن يحدد القائد وقتا مقدسا ثابتا للقراءة كالصباح الباكر مثلا أو قبيل النوم ولو «لمدة نصف ساعة يوميا»، كما اقتراح زميلنا العزيز د. عائض القرني في مشروعه التنويري لإحياء القراءة في المجتمع. [email protected]