«هوجة» المظاهرات.. والراكبون على الموجة

TT

من المعروف أن جماهير الشعب هم القاعدة والركيزة الأساسية لحماية الأنظمة السياسية والمجتمعات، ولهذا قد يستغلهم البعض ويوجههم لتحقيق مكاسب معينة قد تتفق أو تختلف مع مصالحهم أو مصالح الدولة والأنظمة.

«هوجة» المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات الشعبية العنيفة التي تشهدها منطقتنا العربية حاليا، قد طالت عدواها كافة مؤسسات وقطاعات ومصالح الدولة، لدرجة انتقالها، وفي تقليد للشباب والكبار، إلى مدرسة ابتدائية تظاهر تلاميذها للمطالبة بتغيير الزي الرسمي ورحيل مديرة المدرسة.

هناك من يحاول من بعض الأفراد والدول الركوب على موجة حراك الجماهير المطالبة بتغيير وإصلاح الأنظمة، لاستغلال هذه المظاهرات والاستحواذ عليها والتأثير على مجرياتها لتحقيق مصالح وأهداف شخصية أو كبرى قريبة أو بعيدة المدى، وذلك من خلال تقديم العون والدعم للمتظاهرين وإمدادهم وتغذيتهم بأفكار وبرامج قد لا تتماشى مع القيم الإنسانية وهموم ومتطلبات الجماهير والشعب.

المظاهرات، سلوكيات جماعية علنية سريعة الانتشار يغلب عليها الطابع الانفعالي والتقليدي للتعبير عن رسائل وأهداف معينة، وقد حظي سلوك التظاهر باهتمام كبير في دراسات علم النفس السياسي والاجتماعي، وهناك من يدرك جيدا من الأفراد والدول، قواعد المظاهرات وكيفية التلاعب بعقول ونفسيات ومشاعر المتظاهرين وحشود الجماهير، لاستغلالهم والتأثير عليهم وتوجيههم لتحقيق مصالح وأجندات خاصة خفية، تتفق مع مصالحهم أولا.

الحراك الاجتماعي والإصلاح والتغيير ورفض الفساد في المجتمع، أمور وقضايا مهمة مطلوبة لا يختلف عليها أحد، ولكن عندما لا يدرك بعض المتظاهرين في عالمنا العربي تبعات استمرار المظاهرات في عدم الاستقرار وتهديد بنية وتماسك المجتمع، فإن الأمر يتطلب وقفة تحمي الوطن وتمنع الإضرار باقتصاده وأمنه القومي.

انتشار هوجة وموجة المظاهرات الجانحة بصورة كبيرة تستدعي القلق واستنفار المتخصصين، وخاصة علماء العلوم الاجتماعية والإنسانية كعلم النفس والاجتماع، للتعرف على رأيهم والقيام بدورهم لمواكبة التحولات والتغيرات الاجتماعية والسياسية التي تشهدها مجتمعاتنا، وتحليل دقيق لفهم الظواهر الإنسانية والمجتمعية الجديدة الحادثة الآن، وإعداد الشباب والمواطنين وفقا لها.

قد يكون للمتظاهرين عذرهم نتيجة انعدام الثقة سنوات طويلة بين الشعب والأنظمة العربية، ولكن قد يكون لدى بعضهم، وخاصة الانتهازيين منهم، معتقدات وأمثال خاطئة مثل «اطرق على الحديد وهو ساخن»، تدفعهم إلى استغلال واستثمار فرصة المظاهرات والاعتصامات وفي ظل مرحلة انتقالية يسودها الفوضى وغياب الأمن، للحصول على مكاسب شخصية أو للمطالبة بمطالب عاجلة، لا تتحقق بعصا سحرية في يوم وليلة، وخاصة تلك التي تتطلب تعديلات تشريعية وتتم تدريجيا.

هوجة المظاهرات كشفت عن افتقادنا لثقافة التظاهر الحضاري وآداب الحوار وحرية الرأي، وظهور الانتهازيين وأصحاب المصالح والمكاسب الشخصية، الذين يدفعهم العنف والأنانية واللامبالاة، ودون إعمال للعقل، لإدراك تبعات ركوب الموجة وتوجيهها لمصالحهم الشخصية على حساب الوطن في إشاعة الفوضى والإضرار بنسيج وقيم المجتمع.

أصبح من الضروري أن نعلم أبناءنا وأجيالنا الناشئة ونقدم لهم منذ الصغر دروسا عملية تشمل العديد من القيم والسلوكيات الأخلاقية والإنسانية السامية، وخاصة قيم المواطنة والولاء والانتماء والتسامح والوفاء وحرية التعبير والاختلاف في الرأي، وتنشئة الأسرة لأبنائها على تعلم واكتساب هذه القيم لتكون أنماطا وسلوكيات إيجابية حياتية تحدد وتشكل شخصيتهم في المستقبل وتشجع على ثقافة البناء لا الهدم.