لماذا برز (ترامب)؟!

TT

يمتلك عدد قليل جدا من الناس رفاهية أن يكونوا بغيضين بحرية. ويتعين على معظم الأشخاص أن يلاحظوا ما يقولونه خوفا من إهانة رؤسائهم وزملائهم. ويقاوم آخرون قول أي شيء قد يجعلهم غير محبوبين.

ولكن، في كل المجتمعات، هناك عدد قليل جدا من النفوس النادرة التي ترتقي فوق مشاعر الخنوع وعدم الأمان والقلق. وفي كل صباح، يأخذون دوافعهم الملحة الفظة معهم أينما حلوا. ويبدوا هؤلاء الأفراد معجبين جدا بإنجازاتهم، ويتذكرون في كثير من الأحيان رجاحة مواقفهم الشخصية الواضحة، لدرجة أن كل تخبط وزيغ يفكرون فيه وكل موجة متشابكة تنطلق منفجرة من أفواههم تبدو معززة بثقة منيعة. وعندما يحققون هذه الوضعية، فإنهم يكونون قد دخلوا إلى أعلى المستويات في عالم الخيلاء والتباهي.

ويهين هؤلاء المتفاخرون المضلَلون بشكل مفرط بعض الأفراد ولكنهم يستحثون ولاء شديدا في نفوس الآخرين. ويستمتع أتباعهم بجرأة وجسارة جميع مواقفهم وتوجهاتهم. وهم يعيشون تابعين لبطلهم بشكل غير مباشر من خلال الانجذاب لمشاعر الاعتزاز الفظة بالنفس. ويشعر هؤلاء الأشخاص بسعادة لسماع هذه الأشياء البغيضة التي يسمح للآخرين فقط بمجرد التفكير فيها.

وبهذه الطريقة، كانت هناك دائما قاعدة معجبين للرجل الثري الفظ. وشهدت مبيعات الكتب لأشخاص مثل جورج شتاين برينر وروس بيروت وبيل أوريلي وراش ليمبوه وبوبي نايت وهوارد ستيرن وجورج سوروس رواجا كبيرا دائما. وكانت هناك دائما مجموعة من الناخبين الذين يعتقدون بأن الولايات المتحدة يمكن أن تقلب وتحول تراجعها إذا سيطر الحديث الصريح المستقيم والتفاخر البغيض على لهجة الخطاب الأميركية.

واليوم، يبدو أن دونالد ترامب هو ذلك الرجل. وقد ارتقى ترامب، الذي يشتهر حاليا بأنه كان قد أخبر الناس بأنهم قد تم تسريحهم، إلى قمة استطلاعات الرأي الأولية الرئاسية. وفي أحد استطلاعات الرأي، كان ترامب متقدما بمسافة (بعيدة) ملفتة في سباقه للترشح أمام الرئيس أوباما. وينظر عدد كبير من الأشخاص إلى ترامب على أنه (أضحوكة) وأن شعبيته مجرد عار. ولكنه يقود بالفعل خيال شعبي عميق؛ وهو التعطش لشخص متباه مفرط يمكن أن يقودنا لاجتياز الفترات المظلمة.

ويركب دونالد ترامب شيئا آخر؛ وهو أقوى وأكثر العقائد التخريبية المدمرة في الولايات المتحدة اليوم؛ وهي أنه التجسيد الحي الذي يسير على قدمين لعقيدة النجاح. وقد بات لزاما هذه الأيام في مجتمع مؤدب أن نمتلك توجه معقد إزاء النجاح. وإذا ذهبت إلى كلية مرموقة أو مدرسة مهنية، يفترض أن تكافح بلا كلل من أجل تحقيق النجاح مع إنكار أن لديك قدرا كبيرا من الاهتمام به. وإذا حققت النجاح، ينتظر منك أن تغطي ثروتك في منتج ينمو محليا وأن تقلل من قيمة سياراتك الفخمة وأقمشتك الخشنة.

وعلى الجانب الآخر، يبدو ترامب غافلا تماما بمثل هذه الأعراف. وعندما يتعلق الأمر بالنجاح، مثلما هو الحال بالنسبة لعدد كبير جدا من الأمور الأخرى، يبدو ترامب صبيا على الدوام. إنه مغامر متحمس يشعر بسعادة غامرة بسبب اكتسابه لدراجة بخارية جديدة براقة، ويشعر بسعادة غامرة مزدوجة عندما يقوم بعرضها.

ويجاهد ترامب في ظل معتقد، غير مقبول داخل المجتمع المؤدب، بأن اثنين أفضل من واحد وأن أربعة أفضل من اثنين. وإذا كان بمقدوره أن يتحمل شراء سيارة، فإن السيارة المبهرجة أفضل من سيارة كئيبة. وفيما يتعلق بالطائرات الخاصة، تبدو الطائرة الفارهة أفضل من الطائرة الكئيبة. وفيما يتعلق بناطحات السحاب، فإن المباني المبنية بالنحاس أفضل من المباني المبنية بالطوب، والمباني المبنية بالذهب أفضل من المباني المبنية بالنحاس.

وهذا الحماس الصبياني للمجد قد دفعه إلى تحقيق إنجاز هائل؛ حيث غير شكليا من مشاهد مدن نيويورك وشيكاغو ولاس فيغاس والعديد من الأماكن الواقعة فيما بين هذه المدن. وقد نجا ترامب من حادثة تحطم طائرة ورجع منها أقوى مما كان. وعلاوة على ذلك، يشترك ترامب في هذا التوجه غير المتناقض تجاه النجاح مع ملايين الأشخاص في شتى أنحاء الولايات المتحدة. ورغم أنه لا يمكن أن يكون في حاجة محتملة للمال، فإنه يقضي أيامه في التبشير بعقيدة النجاح عبر جامعة ترامب ومن خلال خطاباته التحفيزية وعروضه التلفزيونية وكتبه المتدفقة بلا هوادة.

ولكونه ابن الثروة، فإنه يجد نفسه مع المهاجرين والمكافحين من أفراد الطبقة الوسطى الدنيا، الذين يشاركونه إيمانه الصريح بعقيدة النجاح، بشكل أكبر مما يجدها بين أعضاء البرجوازية الراقية، الذين يترفعون عن هذه العقيدة. ومثل عدد كبير من الرأسماليين المتغطرسين، فإنه يبدو مناهضا للتوجه النخبوي في الأساس.

والآن، أنا لا أقصد بأن دونالد ترامب سوف يصبح رئيسا أو سيقترب من هذا المنصب؛ حيث يقف غلوه المفرط وانتهازيته، على سبيل المثال، عقبة في طريقه لتحقيق هذا الهدف.

وفي عام 2009، نشر ترامب كتابا بعنوان فريد جدا؛ وهو (فكر كبطل). وفي هذا الكتاب، أثنى ترامب على إنجازات أوباما “المدهشة” و”الاستثنائية”. وتحدث بحماس في هذا الكتاب فقال: “أثبت باراك أوباما أن العزيمة مقرونة بالذكاء والحصول على فرصة يمكن أن تجعل الأشياء تحدث وبطريقة استثنائية.”

والآن، يتحدث ترامب بإسهاب ممل وتافه عن أوباما ويصفه بأنه أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة. والآن، يقود ترامب مسيرات تشبه الفعاليات التي تقوم بها ميشيل باتشمان بفعاليات التصويت للرابطة النسائية. وحتى الناخبين الأميركيين الغاضبين يريدون مستوى معين من الجدية والحكمة وضبط النفس.

ولكنني أصر على أن ترامب ليس مجرد (أضحوكة)؛ فقد خرج من تيارات عميقة في ثقافتنا، وانتقل إلى أن أقسام قوية من الحياة الخيالية الوطنية. وأنا لن أصوت له على الإطلاق، ولكنني لن أرغب مطلقا في العيش بدولة تفتقر لأشخاص مثله.

* خدمة (نيويورك تايمز)