السباحة (بمايوه السّنة)

TT

الأستاذ (عابد خزندار) الذي ما فتئ يكتب لنا من باريس يومياً، بدون كلل أو ملل في جريدة الرياض، وكتابته اليومية كلها في الشأن العام، رغم أنه في نظري من أعمق المثقفين والنقاد العرب بكل ما يختص بالأدب والفن عموماً، يقول في إحدى مقالاته:

«طالب اقتصاديون بوزارة العمل بسعودة محطات الوقود وعدم الاكتفاء بفرض مشرف سعودي في كل محطة، كما اقترحت الوزارة في تقريرها الذي رفعته لمجلس الشورى، وقدروا الفرص الوظيفية التي يمكن أن تتوفر في حال الاشتراطات السابقة بأكثر من 40 ألف وظيفة للسعوديين، ليس هذا فحسب بل لو تحولت هذه المحطات إلى محطات آلية، فإنه يمكن الاستغناء عن 400 ألف عامل وافد، وهذه خطوة مهمة في سبيل إنقاص عدد العمال الأجانب الذين يوشكون أن يقلبوا المعادلة السكانية، فضلاً عن أنهم السبب في ارتفاع نسبة البطالة.. وإذا أضيف إليهم بائعو التجزئة الأجانب الذين يمكن أن يحل السعوديون محلهم، فإننا يمكن أن نستغني عن مليون ونصف المليون أجنبي، وهذا ممكن وسهل التحقيق، فإننا وبجرة قلم نستطيع أن نستغني عن مليوني وافد ونقضي على البطالة ونخفض من مبالغ التحويلات للخارج والتي تبلغ 25 مليار ريال وتستنزف سيولة المال في البلد. فهل نبادر في تنفيذ ذلك؟!.

وإذا كان الاقتصاديون وعابد يقولون ذلك، فإنني أضم صوتي الخافت الى أصواتهم مقتدياً بالمثل القائل: (مع الخيل يا شقرا).

* *

هناك رجل أعرفه هوايته الوحيدة هي تتبع آخر ما وصلت له مستجدات (التكنولوجيا) من مخترعات، وقد صادفته يوماً في أحد المحافل، وأخذ يحكي لي عن شركة (اوريل) البريطانية، وكيف أنها شركة متخصصة وتقدم خدماتها لكل الراغبين بالتجسس على أسرار جيرانهم عبر صور تلتقطها الأقمار الصناعية، وذلك لقاء مبلغ لا يتجاوز المئة وخمسين دولاراً توفر الشركة صوراً واضحة تكشف عن ما يدور خلف أسوار المنازل وفي الحدائق وتوصل هذه الصور إلى طالبها عبر شبكة الانترنت.

ويمكن طالب الصور استخدامها في أغراض أخرى مثل الاطمئنان إلى أن الكاراج بدأ بإصلاح سيارته أو أن منزله الصيفي في مكان آخر من العالم، لم يتعرض لأضرار، أو التأكد من أن العمل جار في مشروع استثمر فيه أمواله، من دون عناء الانتقال إلى المكان المقصود وبمجرد إعطاء العنوان المناسب له.

وهم يستعينون بصور توفرها الأقمار الاصطناعية معززة بمعلومات من رادارات أرضية، وأكدوا أنها واضحة إلى درجة تبدو كأن كاميرا التقطتها من مسافة لا تزيد على مترين ونصف المتر.

وما أن سمعت كلامه هذا حتى تشبثت به من فرط حماستي قائلاً له: في عرضك، أرجوك ألحقني أعطيني عنوان هذه الشركة.

فقال لي بكل برود: انتبه يا مشعل فأنا أسكن غير بعيد من منزلك في حي (الشاطئ) بجدة، فلا تؤاخذني لأنني يومياً تقريباً أشاهد منزلك كلما أردت أن أرفه عن نفسي.

وتوقف قليلاً ثم سألني بكل عفوية ولؤم قائلاً: تبغاني أقولك عملت إيه (وهببّت) أمس؟!

الواقع أنني ما أن سمعت كلامه حتى صدمت بل (وتبلّمت)، ولم آخذ منه عنوان الشركة، وتركته سريعاً دون أن أودعه.

ومن يومها حتى الآن ثابرت على إغلاق نوافذ منزلي بإحكام، وأصبحت لا أسبح إلاّ مرتدياً (مايوه السّنة)، بل أنه زيادة مني في الحيطة هجرت السباحة نهائياً، ولا اتريض الآن في حديقة منزلي إلا وأكون مرتدياً كامل ملابسي.

لا، وفوقها (أطق اللطمة) بشماغي، وأظل طوال الوقت شاخصاً ببصري للسماء.

[email protected]