صمت معيب ودور مخجل!

TT

أعرف مقدما أن هذا المقال سيلقى ترحيبا في الأوساط اليمينية الصهيونية المسعورة، وستتم ترجمته ونشره وتوزيعه، لكن ما هو مطلوب أن يقال يبقى كذلك.

لعل أكثر ما أضر بالقضية الفلسطينية النبيلة الحقة هو حالات التناقض الهائل بين الخطاب النضالي السياسي والأخلاقي وبعض التصرفات على أرض الواقع. وضمن هذا الوصف يأتي تصريح مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي بليبيا، والذي يقود حركة تحرر وطنية خالصة للخلاص من ديكتاتور نكّل بشعبه وأفظعه وحول بلاده إلى أضحوكة أمام العالم، وهي حركة يباركها العالم كله إلا بعض الدول والأشخاص الذين يمكن وصفهم بالمرتزقة فعلا. قال عبد الجليل في تصريحه إن شخصية فلسطينية عرف «بدعمه» للمقاومة من قبل، قد أرسل ألف مقاتل من ميليشياته للقتال مع قوات القذافي المأجورة ضد الثوار الأحرار في ليبيا، بمعنى أنهم يقومون بعمل لا يستطيعون فعله أمام عدوهم الحقيقي إسرائيل!

والحقيقة أن هذه ليست المرة الأولى التي يستعين فيها نظام معمر القذافي بهذه الشخصية، فقضية تفجير الطائرة الأميركية «بان آم» فوق مدينة لوكربي باسكوتلندا أثبتت التحقيقات تورطه وميليشياته في تنفيذها. وهذه النوعية المحسوبة بشكل معيب ومخجل على المقاومة الفلسطينية، هي نقطة ضعف واضحة في مصداقية خطاب المقاومة التي تتحول من عمل نبيل ومشروع للدفاع ضد عدو حقير ومغتصب وعنصري إلى أداة قتل وبندقية للإيجار، وهو وأمثاله أضروا بشكل فادح بقضية بلادهم النبيلة، وتحولوا لأداة رخيصة وحقيرة في أيدي أجهزة مخابرات عربية وغربية وعلى رأسها جهاز مخابرات معمر القذافي الذي سبق أن استخدم أحدهم من قبل في خطف وزراء البترول العرب من فيينا بزعامة الإرهابي الأشهر الفنزويلي كارلوس على سبيل المثال.

لكن المذهل والمعيب في هذه المسألة هو الصمت الكثير من قبل القيادة الفلسطينية (بشقيها الفتحاوي والحماسي، وغيرهما من الفصائل الأخرى المنضمة لمنظمة التحرير الفلسطينية) إزاء هذه التصرفات الحمقاء، وعدم إقدام المنظمة على تجميد أو طرد مثل هؤلاء من منظمتها، لأن السكوت عن هذا الأمر هو ضمنيا معناه الموافقة بل المباركة لما حدث، تماما مثلما حدث من قبل من ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، وموقفهما من غزو العراق للكويت، وتأييدهما العجيب لما حدث، وهو الموقف الذي تسبب في أذى كبير للتأييد الشعبي العام من العرب والعالم للقضية الفلسطينية، وأصبح هناك شك وقلق مشروع من نوايا ومواقف القيادة الفلسطينية.

اليوم الخلافات الفلسطينية البينية تمزق المشهد السياسي وتنخر في عظامه، وتبدو هذه السقطة الأخلاقية من قبل تلك الشخصية الفلسطينية وميليشياته إضافة جديدة لمسلسل السقطات في تاريخ «تسييس» المقاومة الفلسطينية الشريفة.. وإنه آن الأوان لأن يكون هناك طلاق بائن لا رجعة فيه معها ومن هم على شاكلتها.

هناك أجيال لن تغفر ما حدث ذات يوم «مقاومة» فلسطينية في لبنان ومصر والأردن والكويت وتونس، واليوم يبدو أن ليبيا ستضاف إلى هذه القائمة المتزايدة وهي مسألة ستكون مكلفة جدا. وأخطر ما في هذا الموضوع هو «الصمت» الفلسطيني بكل توجهاته إزاء تورط مثل تلك الشخصية وغيره في معاونة نظام معمر القذافي الدموي، وهذا أمر لا يمكن السكوت عنه مجددا، وعلى القيادة الفلسطينية أن تعلن وبشكل صريح أن خط هذه الشخصية ومن هم على شاكلته لا يمثلها، وأن يكون هذا الإعلان بشكل واضح وصريح وعملي.

[email protected]