المتضررون

TT

إذا كان هناك من ملاحظة واضحة على تبعات الزلزال السياسي الذي يضرب عددا من دول المنطقة، فهي أنه لم تعد هناك تحالفات واضحة بين الدول العربية، باستثناء مجلس التعاون الخليجي، كما أن صوت الجماعات، بأنواعها، قد خفت وسط أصوات «الشعب يريد إسقاط النظام».

اليوم ضُرب كثير من المحاور بالمنطقة، وأولى الملاحظات: التصدع الذي أصاب «الهلال الشيعي» الذي تحدث عنه، ذات يوم، العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، فبمجرد اهتزاز الأوضاع بسورية لجم حزب الله، ولو مؤقتا، وهاهي إيران بارتباك واضح؛ حيث تلقت صفعة خليجية في البحرين، والآن طهران مصابة بالصداع من سماع «الشعب يريد إسقاط النظام» بسورية، ففي حال حدث أمر ما بدمشق فذلك يعني فشل السياسة الخارجية لإيران، التي استثمرت بها على مدى عقود، خصوصا أن النظام العراقي الحالي لم يستطع أن يقدم لطهران الخدمات المرجوة كلها، بل إن الحكومة العراقية تواجه، هي أيضا، صعوبات حقيقية، وباتت تسمع شعار «الشعب يريد إسقاط النظام».

والقضية ليست هنا فقط؛ فاليوم تلاحظ الجفوة التركية مع دمشق، والجفوة السورية - القطرية، أو قُل: الاستياء.. وهناك أيضا الغياب الكبير للدور المصري.. صحيح أن دور القاهرة قد خف في السنوات الأربع الأخيرة، لكن كان بالإمكان، على الأقل، التلويح بالدور المصري، إلا أن ما يحدث اليوم يجعل المنطقة العربية كلها بلا تحالفات تقريبا، باستثناء المجلس الخليجي. والأمر مرشح للعودة إلى ما تحت الصفر، ولكن على حسب الاتجاه الذي تسير إليه الأحداث في سورية اليوم.

وبالطبع فليس في الأمر شر على الإطلاق، بل قد يكون فيه الخير للمنطقة؛ حيث بات على دول المنطقة اليوم أن تبدأ في عقد تحالفات جديدة، أبرز ما فيها مراعاة الحقائق على الأرض، أي: داخل كل دولة، وعدم تجاهل الشعوب، وعدم الإكثار من اللعب بالشعارات الزائفة التي لا تسمن ولا تغني من جوع؛ فاليوم مثلا لم يُجدِ نظامَ مبارك الحديثُ عن القضية الفلسطينية، أو الجماعات الإسلامية، كما لم يستفد الرئيس اليمني من دعاية التصدي لـ«القاعدة»، ولم تجدِ محاولات النظام السوري بالحديث عن المقاومة، والمؤامرة.. وهكذا، فقد ملت الناس تلك الشعارات كلها، ليس لسنوات، بل لعقود متتابعة.

وعليه، فمن غير المجدي اليوم القول، مثلا: إن حلفاء أميركا بالمنطقة قلقون مما يحدث في سورية، فعن أي حلفاء يتحدث المرء؟ هل تركيا، مثلا؟ لا أعتقد؛ فالأتراك ينعمون بمد إخواني في دمشق لا يضيرهم. واللبنانيون يرون أن العقدة أصلا في دمشق، من بقي؟ الإسرائيليون؟ ممكن؛ فقلقهم هو على حدود لهم آمنة مع سورية طوال أكثر من ثلاثة عقود، وبالطبع هناك حزب الله، وكما أسلفنا فهذا يندرج تحت الخسائر الإيرانية، وهناك حماس، التي سيكون عليها الرحيل إلى الخرطوم، مع مراعاة أنه من الواضح أن يد إسرائيل طويلة في السودان.. استقرار سورية سيكون بلحمة الدولة ككل، وليس بالعوامل الخارجية.

لذا فإن منطقتنا أمام مرحلة جديدة تتطلب تعاملا مختلفا، وتحالفات جديدة، وأكثر المتضررين هم من تضررت منهم المنطقة على مدى عقود.

[email protected]