علاقة مصر ـ السعودية.. استراتيجية وفوق الشبهات

TT

زار السعودية أمس الدكتور عصام شرف رئيس وزراء مصر وبرفقته وزير الخارجية نبيل العربي لأول مرة بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني). والدكتور شرف ليس بغريب عن الثورة، فقد نزل إلى ميدان التحرير في بدايات الثورة، وبناء على رغبة شباب الثورة فقد جيء به من ميدان التحرير إلى رئاسة الوزارة مباشرة، ورفعه شباب التحرير على الأعناق. وزيارة الدكتور شرف للسعودية هي تأكيد على العلاقات الاستراتيجية بين مصر والسعودية التي بدأت منذ أيام الملك فاروق والملك عبد العزيز آل سعود.

وهناك محاولات عديدة من جانب العديد من الجهات في منطقة الشرق الأوسط والعالم بوضع «إسفين» بين مصر ثورة 25 يناير والسعودية، فقيل في عز أيام الثورة إن حسني مبارك هرب إلى السعودية، وثبت أن هذا غير صحيح. وحتى بعد أن تنحى حسني مبارك عن السلطة ظهرت الإشاعات بأنه أخذ طائرة خاصة إلى تبوك بالسعودية وثبت أيضا أن هذا غير صحيح. والسعودية قد سبق لها أن استضافت العديد من رؤساء الدول وذلك كان حرصا منها على تهدئة المشكلات في تلك الدول أكثر منه حماية للرؤساء.

ثم كانت الإشاعة الأكبر بأن حكومة السعودية قد حذرت المجلس العسكري من مغبة محاكمة حسني مبارك، وأنه لو تم ذلك فإن السعودية سوف توقف الاستثمارات السعودية في مصر، وسوف تطرد مئات الآلاف من العاملين المصريين في السعودية. وعلى الرغم من أن السفير السعودي قد نفى تلك الإشاعات جملة وتفصيلا، فإن الإشاعات استمرت، حتى نفاها اللواء محمد العصار نائب وزير الدفاع المصري وعضو المجلس العسكري، الذي قال في مقابلة تلفزيونية إنه قد حضر بنفسه مقابلتين بين المشير طنطاوي وزير الدفاع المصري مع الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، وإن موضوع الرئيس السابق حسني مبارك لم يثر في الاجتماع من قريب أو من بعيد، وإن لب تلك الاجتماعات كان بحث كل ما يمكن تقديمه من دعم سعودي إلى مصر وشعبها في تلك الفترة الحرجة.

وخفت حدة الإشاعة ولكنها لا تزال تتهادى على صفحات الإنترنت، وخاصة بين بعض أصدقاء الـ«فيس بوك»، الذين يهمهم إفساد العلاقة بين مصر والسعودية. ومن الإشاعات المستمرة قبل وبعد ثورة 25 يناير أن السعودية تشجع الاتجاهات السلفية المتطرفة في مصر. والذي يتجاهله مروجو تلك الإشاعات أن السعودية عانت كثيرا من إرهاب المتطرفين معاناة مصر وأكثر، وما زالت تقبض على مجموعات منهم من وقت إلى آخر.

وتجيء زيارة الدكتور شرف في هذا الوقت المهم لتأكيد العلاقة الاستراتيجية بين مصر والسعودية، وأيضا لإسكات تلك الإشاعات التي أرادت الوقيعة بين مصر والسعودية.

والدكتور شرف يعرف أولويات مصر تماما، فكانت أول زياراته خارج مصر إلى السودان بشماله وجنوبه، لأن النيل هو روح مصر، وتأتي ثاني زياراته للسعودية، وذلك لأهمية علاقاتها مع مصر، ومصر والسعودية تشكلان أهم محور في منطقة الشرق الأوسط، وهو محور الحكمة والعقل والعمل أمام محور الحناجر والإثارة والخطابة الرنانة، وهو محور التآلف أمام محاور الفرقة، وإن كنا نأمل ونرجو أن تتخلص الأمة العربية من موضوع المحاور المتناحرة ويكون محورها واحدا بسياسة خارجية واحدة تهتم بمصالحها القومية، وعلى رأسها تحرير ما يمكن تحريره واستخلاصه من أرض فلسطين من أيادي الصهاينة العنصريين، وكذلك نأمل أن يتبع العرب سياسة داخلية واحدة لكل دولة على حدة مبنية على العدالة والمساواة الاجتماعية والحرية واحترام حقوق الإنسان، وأن تهتم الدول العربية باستثمار عقول أبنائها وفوائض استثماراتها ومزاياها الطبيعية بخطط تنموية طموحة.

ففوائض الاستثمارات السعودية الجادة من الممكن أن تقوم بدور حيوي في خطة التنمية في مصر الجديدة، فمصر كانت ولا تزال رغم كل شيء أكبر سوق في الشرق الأوسط، وهي أكبر مستورد للقمح في العالم، وبمساعدة الاستثمارات السعودية في المجال الزراعي يمكن لمصر أن تحقق الاكتفاء الذاتي من القمح أو على الأقل تقلل من الاستيراد. إن الأيدي العاملة المصرية المخلصة والماهرة تسهم وتستطيع أن تسهم أكثر في خطط التنمية المستقبلية الطموحة في السعودية، كما أن مصر بجيشها القوي ذي الخبرات الطويلة يستطيع أن يكون عمقا استراتيجيا للعرب عامة ودول الخليج خاصة أمام التهديدات القادمة من الجانب الشرقي من الخليج. إن التبادل التجاري بين مصر والسعودية من الممكن أن يتضاعف عدة مرات ليوضح للجميع أن من مصلحة كل من مصر والسعودية أن تشتري منتجات البلد الآخر، وخاصة مع ازدهار الصناعة في كل من مصر والسعودية، وهذا ينطبق على جميع الدول العربية.

إن العلاقة بين مصر والسعودية إلى جانب أنها علاقة تاريخ وأخوة متميزة، فإنها أيضا علاقة مصالح مشتركة لكل من الشعبين المصري والسعودي، ولا تعتمد على أفراد لأن الأفراد يجيئون ويذهبون، ولكن الشعوب هي الباقية.

فأهلا بالدكتور عصام شرف في بلده الثاني السعودية.

* كاتب مصري