.. وهناك شخصيات أمينة

TT

يجمع العرب على أن ملف مكافحة الفساد هو أحد أهم الملفات الخطيرة التي من دون تطبيق تنفيذها بشكل جدي وأمين ستكون أحد أخطر عناصر تعطيل التنمية وغضب الشعوب، لأن الحديث لم يعد استثنائيا فيما يخص استغلال المناصب أو إحاطتها بعناصر مؤثرة من المحاسيب والأنصار، وبالتالي حصول «تضخم في الثروة» لم يعد مسألة شاذة ولكن في حالات كثيرة تحول التضخم هذا إلى «انفجار وبراكين»!

وفي السعودية فتح الحديث عن هذا الملف الشائك بقوة وأصبحت المسألة للمرة الأولى قضية رأي عام بامتياز وتجاوبت القيادة مع هذه المسألة وعينت محمد بن عبد الله الشريف ليترأس جهازا جديدا باسم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ومن اسم هذه الهيئة يبدو أن الهدف منها لا يحتمل التأويل ويبقى التحدي الكبير في تفاصيل تنفيذ هذا الطرح الجميل والمشروع. وبقدر ما تكون الصورة محبطة مع وجود نماذج مفسدة وفاسدة تعمل بشكل خاطئ وسلبي ومسيء للأهداف الطموحة والآمال العريضة للناس تجعل العامة تعتقد أن هذا هو المشهد الطاغي، لا بد أن يكون الحديث عمن أجاد وأبدع وأحسن بذات القدر من الأهمية حين الحديث عمن أخطأ وأساء. فالحديث عمن أجاد مطلوب لزرع الأمل في نفوس الناس بتأكيد وجود نماذج الخير حولهم وإعادة الإيمان بقدرات الأشخاص ودعم الصالح منهم بحثهم وإبرازهم وتكريمهم؛ فتاريخ العمل الحكومي بالسعودية مليء بالنماذج المشرفة التي «يرفع فيها الرأس».. نماذج من الناس أدت واجبها بشكل مقنع ونجحت، مع الحفاظ على الأمانة المالية وعدم العمل بأسلوب الاعتماد على الوساطة ولا المحسوبيات ولا الميل لصالح أسلوب انتقائي في اختيار الناس بحسب المناطقية أو القبلية وهو ما بات يعرف اليوم بالتطرف والتشدد الاجتماعي. وقائمة الشرف بالعمل الحكومي معروفة للناس، وللوطنيين منهم تحديدا، فمن ينسى محمد علي الحركان أول وزير عدل بالسعودية؟ وهو الرجل الذي عرف عنه سعة الصدر والعمل الدؤوب والتوازن، أو وزير التعليم العالي الأسبق حسن آل الشيخ صاحب الصيت الكريم والمعروف بعدله وإخلاصه وسويته، وجميل الحجيلان الرجل الكريم بأخلاقه والنبيل بوفائه والأسطوري في ولائه، وعبد الله عريف الذي لا يزال مضربا للأمثال في عمله الدقيق وإخلاصه، والأمثلة موجودة للأمانة وسط المغريات، فمثلا مر على وزارة المواصلات ثلاث شخصيات متتالية وهم محمد عمر توفيق وحسين المنصوري وناصر السلوم أدوا دورهم بإبهار ومهنية وإخلاص وسط مغريات جبارة وميزانيات قياسية، وفي قطاع التعليم الحساس لا يمكن إغفال دور محمد الرشيد هذا الرجل الفذ والمخلص الذي تحمل وزر تطوير حقيقي للتعليم وأخذ على عاتقه وتحمل الكثير من الإهانات والتشكيك والتحريض ليخوض معركة جهادية وطنية بامتياز خرج منها مرفوع الرأس ومصدر فخر لبلاده، وهنا لست في مجال إجراء جرد كامل لكافة الأسماء التي من المفروض أن يضرب بها المثل والأمانة والإخلاص ومقاومة الفساد، فمن المؤكد أن هناك أسماء كثيرة أخرى، كما هو من المؤكد أن هناك أسماء لا مكان لها في هذه القائمة ويجب أن يتم مساءلتها ومحاسبتها هي الأخرى، ولكن الغاية الأساسية هي إبراز النماذج الشريفة والناجحة لزرع روح الأمل ومكافحة الإحساس بالقنوط واليأس ونغمة «أنه لا يوجد أي أمل» وهي حالة من السهل الغوص فيها والبقاء فيها لفترة طويلة وخطيرة تصبح بعدها أشبه بالحاجز الذهني الشديد الذي يصعب كسره واختراقه وتغييره بالتالي لاحقا، وهي مسألة ستكون شديدة الخطورة بلا شك.

مكافحة الفساد هدف عظيم ومسؤولية وطنية جماعية مشتركة ولا بد من التعامل معها بشكل حازم وفوري وعادل وسوي لأن أي خلل في التطبيق سيكون إضاعة فرصة ذهبية لتعزيز ثقة مهمة بين الدولة والناس التي هي بمثابة القاعدة القوية التي يمكن أن يبنى عليها المستقبل الجميل.

[email protected]