قل لي أين أنت الآن؟!

TT

هذا كلام معاد. أقوله كل يوم. أرفع رأسي وأنظر فوقي وأقول: الله.. ما أعظمك! وما أجملك! أقولها وأنا أنظر إلى السماء في ليلة صافية. وإذا انتقلت إلى أن أراها من وراء الكاميرات والعدسات الفلكية وقد اقتربت مني النجوم ومئات ألوف النجوم.. وإذا استخدمنا عدسات المراصد الفلكية، فإن الذي رأينا مئات الألوف وإنما مئات الملايين. والمسافة بيننا وبينها عشرات الملايين من الكيلومترات.. والله، لو حدث لك ذلك فلن تمل النظر والتأمل والتفكير: والله ما أعظمك وأجملك!

وفي المجلات الفلكية، وهي كثيرة، لا تخلو العناوين أسبوعا بعد أسبوع من استخدام كلمة جميل، وأخيرا كلمة رشيق وأنيق.

كما ظهرت كتب كثيرة اتخذت عنوانا: الكون الرشيق أو الكون الساحر. قرأت مقالا للعالم الفلكي الكبير د. روزنبرغ، والمقال بعنوان: إنه كون جميل. فمن ينظر إلى الكون بالعين المجردة عبر مساحات من الكون الأحمر والأصفر والأزرق، يجد أن هذه المساحات تتبعثر طولا وعرضا.

يقول د. روزنبرغ في مجلة «الفلك»: إذا أردت أن ترى الوجود جميلا، يجب أن تكون عاشقا لا محبا، وإنما أكثر من ذلك، ولا تخف إذا جاء في أحلامك أنك صعدت إلى الفضاء فقابلت عددا من علماء الفلك والملائكة والشياطين، فلا تخف فسوف تستقر على سلوك عاقل وهو أن تحملك سفينة الفضاء وتعود سالما إلى الأرض. والمهم هو أن تذهب إلى السماء وأن تعود سالما.

ويقول إن علماء الفلك قد أصيبوا في أعناقهم، والسبب أنهم أطالوا النظر إلى السماء. وهي عادة.. أو هي إدمان للنظر وإدمان لقولهم: الله.. ما أعظمك! ما أجملك! وقد كتبت خطابا إلى إحدى تلميذاتي فقلت لها: أين أنت الآن؟ فكان ردها: حيث وضعتني في السماء. وقلت لها: سأقول لك ما قالته أم كوبرنيكوس يوم سألها: أين أنت الآن؟ فقالت: مع الشياطين والجن. إنك تنظر إلى السماء ولا تنظر إلى الناس.. إلى الأرض التي تخجل أن تعيش فيها.. فهل أنت مثل أمي؟ فأجابت: إن أمك تعرف أين هي.. أما أنا فلم أعد أعرف أين أنا.. إذن أنا مع الله..

وهي إجابة صحيحة لولا أن أمي تقول إنني رجل مجنون، أما علماء الفلك فيرون أنني عبقري!

انتهى كلام كوبرنيكوس الفلكي العظيم الذي قلب علوم الفلك. أما أنا - كاتب هذه السطور - فأحسن حالا، إنني أذهب وأعود سالما، فأنا تلميذ أبدا في علوم الفلك.. والله أعلم!