العالم تغير

TT

هناك مؤامرة ومندسون ومخربون يطلقون النار في المدن السورية، وهناك من يحاول إقامة إمارة سلفية في درعا، وكل ما يبث من صور ضحايا وإطلاق نار في مواقع التواصل الاجتماعي كذب وافتراء، وإذا اعتقدتم أن ما ترونه مظاهرات احتجاجية مطالبة بإسقاط النظام فأنتم مخطئون.

إن ظننتم أن من شاهدتموهم في شوارع ريف دمشق هم محتجون، كما روج «إعلام الفتنة والتضليل»، فأنتم عملاء.. هؤلاء خرجوا احتفالا بالمطر.

إذا خيل لكم أن أرتال الدبابات التي دخلت درعا هي لقمع الأهالي ومقدمة لإجراءات دموية فراجعوا أنفسكم، تلك الدبابات دخلت بطلب من الأهالي لحمايتهم من أنفسهم.

أكثر من ذلك، سيستمر حظر التغطية الإعلامية ومنع وصول الصحافيين إلى درعا والمدن الساخنة السورية، بل وحبسهم وطردهم إن هم حاولوا ذلك، ولن نعرض لكم صور المندسين الذين ألقينا القبض عليهم، ولا صورة لواحد منهم.

كي لا نكون جزءا من «المؤامرة» و«الفتنة الخارجية» المحاكة ضد سورية ما علينا سوى تصديق تلك الروايات التي تعاد مرارا وتكرارا عبر الإعلام السوري والسياسيين التابعين للنظام أو الموالين له، وتلك روايات لم يظهر أي ميل لتعديلها أو تخفيف الخرافة عنها على الرغم من مرور أكثر من ستة أسابيع على بدء الاحتجاجات.

يقول العقل: إن معادلة «المؤامرة» و«المجموعات المندسة» يستحيل أن تستقيم في الوضع القائم في سورية اليوم؛ فتلك الرواية، بحسب ما هي منقولة لنا، لا تنسجم مع أي منطق، بل إن فيها ما يشبه الهذيان، خصوصا حين تقترن بروايات بوليسية لأدوار مزعومة لسياسي لبناني من هنا وآخر من هناك.

فإذا وضعنا المنطق والعقل جانبا، فكيف نفسر تلك الصور والمشاهد للاحتجاجات والرصاص والقتل الذي يطال المتظاهرين دونما رحمة؟

مع ذلك، يمعن النظام في سورية في اعتماد وصف «المؤامرة الخارجية» بصفتها الرد على ذاك الفائض من الصور والأخبار والشهادات الواردة من شوارع سورية.. فقد مرت أسابيع على انطلاق الاحتجاجات ولا تزال تلك المصطلحات هي اللغة الوحيدة التي يخاطب بها النظام شعبه والعالم.

الجميع يراقب اليوم وليس فقط السوريون. وتلك الصور التي بتنا نترقبها عبر مواقع التواصل الاجتماعي باتت سلاح المحتجين الوحيد حتى يكاد واحدنا يشعر وهو يشاهد تلك الصور بكل ما يتكبده ملتقطوها لتوثيق تلك اللحظات الحية بما فيها من جرأة وخوف ومن ثم بثها عبر الإنترنت وأحيانا يستغرق ذلك يوما أو يومين في ظل الحظر المفروض وقطع شبكات الاتصال.

لن يمكن للسلطة السورية اليوم أن تسوق لا لنفس الأسلوب القمعي ولا للغة الترويج المعتمدة له. أن يقال إن الدبابات دخلت درعا لإجراء عمل جراحي دقيق يعني أن قسوة وقمعا سيلحقان بأهالي المدينة، وقد بدأ ذلك يحدث فعلا.

هناك من يرى أن مذابح تلوح في الأفق من طراز تلك التي وقعت في مدينة حماة أوائل الثمانينات.

ربما..

لكن العالم الذي كان في الثمانينات ليس هو عالم ثورة الاتصالات الذي نعيشه اليوم.

diana@ asharqalawsat.com