سخرية بالمطرقة

TT

معلمان تمنيت لو تعرفت إليهما عن قرب؛ محمد التابعي في مصر، وسعيد تقي الدين في لبنان. كلاهما كان له أسلوبه في الكتابة وفي الحياة. التابعي أحب نفسه، وتقي الدين سخر منها. الأول كتب بريشة نعام، والثاني بمطرقة. الأول مات فقيرا على الرغم من كل ما جنى، لكثرة ما بذّر على الحياة، والثاني مات معدما لكثرة ما صرف على الآخرين، بما في ذلك الصحف التي كان يكتب فيها. الأول رأى في فلسطين موضوعا صحافيا، والثاني رأى فيها قضية شخصية. الأول رأى مصر أكبر من العروبة، والثاني لم يرَ أكبر منها شيئا.

ترك سعيد تقي الدين نحو 20 مؤلفا، في المسرح والتاريخ والسياسة. وهاجر إلى الفلبين تاجرا وعاد بثروة سرعان ما وزعها وعاش وحيدا يكتب ويستقبل ضيوفه وهو في الثياب القطنية الداخلية. وأعجبت هذه العادة سعيد فريحة، لكنه أضاف فوقها «الروب دو شامبر».

ومثل التابعي كان سعيد فريحة معلما في الصحافة، تتلمذ عليه كثيرون. ومثله؛ كان جارح السخرية لكن دون إسالة الدماء، اللهم إلا إذا تعرض له أحد بصورة شخصية. عندها يصبح قلمه مثل مطرقة سعيد تقي الدين.

ولم أكن أعرف أن التابعي وتقي الدين تبادلا الحملات إلا وأنا أقرأ كتابا عن سعيد تقي الدين، للمحامي والكاتب سليمان تقي الدين، وحاولت أن أطلب النصوص كاملة من الزميل جان دايه، المتخصص في نتاج سعيد، لكنني للأسف حصلت عليها مجتزأة، وخلاصتها أن التابعي ذهب يطلب تأشيرة من السفير اللبناني سامي الخوري، معتقدا أنها ستعطى له على الفور، فصدم عندما رأى أن عليه الانتظار مثل سواه، فما كان منه إلا أن كتب يهاجم السفير.

وزع التابعي حملته على «أخبار اليوم» وعلى صحف بيروت. وفي النهاية غضب سعيد تقي الدين لصديقه السفير، فكتب: «حين تمهلت المفوضية اللبنانية في التأشير على جوازه، زعم الكاتب المصري محمد التابعي أن الدنيا انهارت على البشر، وهي في حقيقة الأمر ما انهارت إلا حول أذنيه. الصحافة مهنة شريفة، وكذلك سوق الترامواي، وليس للصحافي من مبرر التهجم على الناس لأنه يحمل قلما، بأكثر مما لسائق الترامواي أن يدهس الناس لأن في قبضته مقود الموتور».

ورد التابعي مهاجما بعنف، فعاد تقي الدين إلى مطرقته وراح يضرب يمينا وشمالا، فوق الحزام وتحت الحزام، إلى أن قال مخاطبا كاتب مصر الكبير: «أنت حادثة تناسلية عادية فقط لا غير». وبذلك انتهت الحملات التي متعت قراء صحف بيروت طوال أشهر.