شوية إنصاف

TT

آمل أن يتذكر قرائي ما كتبته من التنديد بالغرب، ولا سيما أميركا. لكنني كعاشق للحقيقة لا أملك غير أن أعترف لهم أيضا بالجميل، وجميلهم علينا كثير. حملني لكتابة هذه المقالة ما جرى في ليبيا. لنا جيوش جرارة وأساطيل عسكرية بحرية وجوية. ومع ذلك وقفنا متفرجين على ما يفعله القذافي بشعبه. لم نحاول حتى مساعدة اللاجئين من أبنائنا. تركنا الغرب يسهر عليهم وينقلهم لديارهم. رفعنا أصواتنا نهيب بالغرب أن يتدخل لحسم الأمور. وهو ما جرى بالنسبة لتونس ومصر. فلولا الضغط الأميركي، لما رحل مبارك أو زين العابدين. حصل نفس الشيء في العراق. قضينا في المعارضة سنوات طويلة نتكلم ونعقد المؤتمرات والمأكلات ولا نفعل أي شيء، حتى جاء الغرب وضحوا بمئات من شبابهم وخلصونا من صدام. بالطبع أنا لا أنسى أن الكثير من مشاكلنا يعود لما فعلوه ببلادنا. ولكن علينا أن نتذكر ما كنا عليه قبل أن يأتي الإنجليز ويحتلوا أرضنا ويعلمونا على الديمقراطية... الخ.

وكلما ألمت بنا مصيبة، هرعنا للغربيين نتوسل لهم أن يسعفونا وينقذونا مما أوقعنا أنفسنا فيه. نتهمهم بحق عما جرى في فلسطين، ولكن ماذا عن دورنا وحماقاتنا وإخفاقاتنا في إضاعة فلسطين؟

بيد أن أفضالهم علينا تتجاوز الحدود السياسية لتشمل كل جزيء من حياتنا. من أنقذنا من السل الرئوي الذي كان يختطف شبابنا ويقلق حياتنا بأشباحه. من اكتشف وزودنا بكل هذه الأدوية لشتى ما عانيناه من أمراض؟ من أوقف الموجات الوبائية للطاعون والجدري والكوليرا؟ من اخترع وزودنا بكل هذه المعدات المذهلة، الطائرات التي تنقل ألوف الحجاج من أقاصي الأرض لمكة بكل راحة وأمان في سويعات قليلة؟ من اخترع الكومبيوتر ثم الإنترنت التي لعبت دورها الحاسم في كل هذه الانتفاضات؟ من توصل لزراعة الكلية والكبد والقلب؟ عندنا ألوف العلماء والبروفسورات والأطباء. ما هي مساهماتهم في مسيرة التقدم البشري؟ لا شيء غير الادعاءات. لا شيء يعني بعض أطبائنا غير نهب المريض الفقير بل وغشه. ثم يسافر للندن ويسمع بفقره الجراح الإنجليزي فيجري العملية له مجانا.

سمعت بطبيب عربي واحد، لبناني، حاول المساهمة في زراعة الأعضاء قبل سنوات. أجرى عملية فاشلة لزراعة الخصيتين. الغرض تقوية باه الرجال! يا سبحان الله! الغربيون يزرعون الكبد لإنقاذ حياة الإنسان ونحن نسعى لزرع الخصيتين لتقوية الباه!

سمعنا الكثير عن أموال تبرعت بها مصادر عربية للجامعات الغربية. ولكنها جميعا جاءت لدعم الدراسات الإسلامية واللغة العربية ومشاكل الخليج. لا شيء مما سمعته تعلق بمؤسسات الأبحاث العلمية والطبية ومغالبة السرطان التي تتوقف عليها حياتنا. نحن أمة مفطورة على إضاعة الأموال والأعمال.

أنظر من هذه الزاوية فأقول إن ما يسرقه الغربيون من ثرواتنا هو بمثابة ضريبة علينا أو أجور ندفعها للغرب لقاء ما يقدمونه لنا من منجزات ومساهمات في إنقاذنا من مشاكلنا.