كيت ميدلتون: الأمل سر قوة الغرب

TT

إذا كان هناك سر لتقدم الغرب فهو يتلخص في كلمة واحدة وهي صناعة الأمل. هذا الأمل الذي تجسده كاثرين ميدلتون، تلك الفتاة العادية التي تستحوذ على قلب ملك بريطانيا القادم. قصة أشبه بخيالات الأساطير التي تحكيها الأمهات لبناتهن قبل النوم، حكايات خرافية تهدف إلى بعث الأمل في الصبايا، يوم أن يجيء الأمير على الحصان الأبيض ويأخذهن إلى عالم الرومانسية والزواج الملكي. ولكن هذا الخيال الخرافي يراه البريطانيون اليوم حقيقة على الأرض، فتجمع الملايين في الشوارع وحول الشاشات في الميادين وفي البيوت وهم يتابعون مراسم زواج كيت ميدلتون بالأمير ويليام آرثر فيليب لوي، الذي يتوقع له معظم البريطانيين أن يكون الملك القادم لبقايا إمبراطورية لم تكن تغرب الشمس عن مستعمراتها.

ليس هذا مجرد غرام بالغرب، فأمراؤنا وملوكنا تزوجوا قبل ملوك الغرب وأمرائه ببنات الأسر العادية، مثل ما حدث مع ملكة الأردن الحالية، الفتاة الفلسطينية القادمة من أسرة عادية وتزوجت أميرا أصبح في ما بعد ملكا. ولكن الفارق هو بين زواج يصبح عاديا مرتبطا بمن دخل فيه فقط، وزواج يصبح أمثولة وطنية تبعث على الأمل من خلال مراسم وطقوس يشاهدها ويشهد عليها الجميع، يصبحون جزءا من الحدث ويتوحدون معه، ويرون ابنتهم ابنة الشعب العادية تتزوج الأمير، هنا يصبح كل الشعب جزءا من الفرح وجزءا من الحفل وجزءا من الزواج وجزءا من صناعة أسطورة الأمل. كان هذا واضحا في شوارع لندن اليوم، على وجوه الناس وفي كلمات من عسكروا لأيام في الحدائق القريبة من قصر بكنغهام.

الأمل لا يسقط من السماء، الأمل صناعة وطنية تقوم بها المجتمعات الباحثة عن استمرار الحياة بدم قوي يتدفق في عروق الأمة. هذا هو المشهد في بريطانيا اليوم ليس كيت وويليام، وإنما قصة مجتمع يصنع أسطورة أمل تجعل من القصص الخرافية حقيقة. فكما كان الغرب ينظر إلى السماء ويرى القمر المضيء ويرغب في أن يمد يديه كي يلامسه، كان هذا مجرد خيال في السابق، ولكن في مجتمعات تستطيع إنزال الأسطورة من عالم الخيال البعيد إلى أرض الواقع، استطاع الغرب أن يصل إلى القمر ويلامسه ليس بيديه فقط وإنما وطئته أقدامه، هذه هي صناعة الأمل التي استطاع الغرب أن يتفوق بها على كل الأمم المعاصرة. في حين كنا نتغنى مع نزار قباني في قصيدته:

لا تحزني يا حبيبتي

إن هبط الرواد في أرض القمر

سوف تبقين بعيني دائما أحلى قمر

مع الاعتراف بشاعرية نزار التي لا تنكر.

رأينا الأمل أيضا يتجسد في وصول باراك أوباما الشاب الأسود من أب مسلم مهاجر إلى الولايات المتحدة ومن عامة الناس، إلى سدة الحكم في أقوى دولة في العالم، علما أن بقايا العبودية كانت لا تزال قائمة في المجتمع الأميركي حتى عام 1961 وأوباما يقترب من نهاية الأربعينات من العمر، ومع هذا أصبح رئيسا للدولة العظمى الوحيدة. هذا الشاب الأسمر، هو ذاك الأمل لكل أطفال هذا العالم ممن عانوا ويعانون، ولكنهم يواصلون المشوار، لا سيارات مفخخة ولا عمليات انتحارية... أدمنوا، ليس المخدرات، وإنما أدمنوا الأمل. أوباما، ليس مجرد رئيس للولايات المتحدة الأميركية، كما أن كيت ميدلتون ليست آخر امرأة عادية تصبح أميرة في قصور الإمبراطورية العتيقة، ولكن كليهما بارقة أمل لأي إنسان يريد أن ينجح على الرغم من قسوة الحياة، فهذا الكيني ابن المهاجر الذي تزوج امرأة بيضاء فقيرة، لم يكن أبوه يملك عندما ترك قريته البائسة في كينيا إلى آخر الدنيا، سوى الأمل. مهما يقال عن أميركا، فإنها تبقى بلد الآمال غير المحدودة لكل إنسان وأي إنسان، بغض النظر عن لونه أو دينه أو أصوله الاجتماعية... لا يمكن أن يحدث هذا، في المدى المنظور، إلا في أميركا.

وهذه كيت ميدلتون ابنة رئيس مكتب الخطوط البريطانية في الأردن في الثمانينات، التي تعلمت لمدة عامين في مدرسة عادية في الأردن، تصبح زوجة ولي عهد بريطانيا القادم، ولملك بريطانيا المقبل. هذا هو الأمل الذي يمثل سر استمرارية الغرب كحضارة عفية، الأمل الذي يحول الخرافات إلى حقيقة. رحلة أوباما مع الأمل هي رحلة أميركا نفسها، ورحلة كيت ميدلتون إلى القصر هي أيضا رحلة بريطانيا نحو الانفتاح، التي تجعل الشعب جزءا من النظام الملكي وتجدد للملكية العتيقة شرعيتها.

ومع ذلك - كما قلت - الأمل صناعة، وليست مجرد فوضى عشوائية. رأينا طقوس الزواج محددة وواضحة، رأينا الدين جزءا كبيرا من الزواج ومن الطقوس، ولكن وجوده خفيف ليس خانقا ولا ثقيلا، وجود جميل يشبه عمارة كنيسة ويستمنستر تلك التحفة المعمارية.

جماعتنا حتى الآن لم يخترعوا أي شيء، لا مركبات فضائية ولا صواريخ ولا صناعات حقيقية، ومع ذلك سأكون راضيا جدا لو بدأت مجتمعاتنا بصناعة أسطورة الأمل، صناعة آمال يمكن تحقيقها على الأرض. وهذا هو التحدي وهذا هو الدرس من الزواج الملكي في لندن.. إنه الأمل.