الملكية والجمهورية والجمهولكية

TT

كشفت لنا أحداث هذا الموسم السياسية عن ظاهرة جديرة بالانتباه. الأحداث التي جرت في سلطنة عمان والبحرين والأردن انحصرت في المطالبة بالإصلاح. الاضطرابات التي وقعت في مصر وتونس والجزائر وليبيا طالبت بالتغيير في شعار «ارحل!».. المجموعة الأولى أنظمة ملكية. المجموعة الثانية أنظمة جمهورية وصلت إلى الحكم بالثورة والانقلاب. ما الدرس من ذلك؟ الدرس واضح.

استغرب الكثيرون مني عندما أيدت الأمير علي بن الحسين وحركته الدستورية لإعادة النظام الملكي في العراق. لم يصغوا لما قلت وأخذوا طريق الجمهورية التي أعطتهم هذا النظام. أنا واثق لو أن العراقيين صوتوا لإعادة الملكية للبلاد لحصلنا على قصة أخرى وتفادينا جل هذه الاضطرابات والمشكلات والمنازعات بين الطوائف.

ما حصل هو أن المتظاهرين في عمان والبحرين والأردن احترموا شرعية الحاكم. فهو لم ينتزع الحكم بالدبابة وإنما بالوراثة وأبا عن جد. والوراثة مفهوم تقوم عليه الشريعة الإسلامية والنظام العشائري والتقاليد العربية، ويحترمها الجميع، شئنا أم أبينا. وعلى المستوى العملي تعطي البلاد الاستمرارية والاستقرار. والحاكم فيها أيضا يحترم مكانته. احترم الجمهور كل ذلك. كانت له مظالم وشكايات مشروعة فطرحت للحوار وجرى الاتفاق عليها، كلها أو أكثرها أو بعضها. هذا هو الأسلوب السليم لضمان استقرار البلاد وتطورها وتنميتها في إطار إمكانياتها.

ننتقل الآن لما جرى في الأنظمة الجمهورية. أول ما لاحظه الجمهور فيها أن حكامها خرقوا فكرة الحكم الجمهوري فتشبثوا بكراسيهم ثلاثين عاما أو أكثر. ثم تشبثوا بفكرة الوراثة لينقلوا الحكم لأولادهم. فأطلق الساخرون على حكمهم تسمية «الحكم الجمهولكي». ثم تبين أنهم لم يكونوا رؤساء جمهورية وإنما رؤساء فضحت المصادر الغربية تجاوزاتهم. وأخيرا، فمن جاء بنظامهم للحكم؟ أقيم بقوة الدبابات. فهو في الواقع نظام غير شرعي. وما يؤخذ بالقوة يعاد بالقوة. وهكذا تيسر للجمهور أن يتعدى فكرة الإصلاح هنا ويطالب برحيل النظام.

ترحيل النظام ينطوي دائما على زعزعة الاستقرار الذي تعتبر البلاد المتخلفة في أمس الحاجة إليه اقتصاديا، بالإضافة إلى ما يسببه غالبا من تدمير وسفك دماء وإشاعة الجرائم والفوضى وانقطاع الخدمات، بما فيها الخدمات الصحية. ومن يضمن أن المجموعة الجديدة التي تتسلم الحكم ستكون أكثر نزاهة واستقامة واحتراما للقوانين من سابقتها؟ انظروا لما حدث في العراق منذ الطلقة الأولى للنظام الجمهوري عام 1958.

النظام الملكي يضمن نقل السلطة من حكومة فاشلة أو مقصرة، وربما محاكمتها إذا اقتضى الأمر، إلى حكومة جديدة أكفأ منها وأصلح بصورة سلمية هادئة من دون تعريض البلاد للهزات والاضطرابات وتجاوز القانون والدستور والشرعية. هذا ما كان يجري في العراق باستمرار في العهد الملكي.

اللهم يا عزيز يا جبار، أعنا على مواجهة الحقائق بشجاعة، واجعل مصالح الشعب والضعفاء والأبرياء نصب أعيننا، حتى تنمو شعوبنا المتخلفة لما هو أسمى وأكثر تطورا.