أسئلة العرس

TT

طبعا لا يمكن أن تكون الأعراس من همومنا. لا الشخصية ولا العامة. فكيف اليوم، وشاشات الأمة دماء وأحزان ومجهول. ولم أتسمر أمام مشاهد العرس في لندن، لا قليلا ولا كثيرا. وكل ما شاهدته رأيته في موجز الأخبار. وقد أثارت هذه اللحظات في نفسي أسئلة كثيرة: لماذا يخرج كل هؤلاء البشر إلى وسط لندن للمشاركة في عرس شاب وشابة لا يعرفونهما إلا في الصور؟ لماذا تذهب إلى عرس وأنت تعرف أنك لن تصافح العريس ولا أهله ولا جد العروس، ولن يعرفك أو يتعرف عليك أحد، حتى أقرب الواقفين إلى جانبك في ساحة باكنغهام، التي صارت قالبا من البشر؟

لماذا يقف ملايين العرب في الميادين مطالبين بالتغيير، ويقف مليون بريطاني مغنين، وفرحين بعادات وتقاليد القرن الثامن عشر؟ لماذا لم يخش مليون محتفل سفيها مثل الذي حمل قنبلة إلى مقهى مراكش؟ ولماذا دخلت الشعوب القرن الحادي والعشرين ولا نزال في القرن الأول؟ هل الشر عندهم أم عندنا؟ لماذا كل مطالبنا المطروحة في الميادين لم تعد واردة عندهم إلا في محفوظات القرن الثامن عشر؟ لماذا دخلت الصحافة عندهم عصر الانقراض، وعندنا لا تزال مثل فرمانات السلطان مراد الخامس؟

الحقيقة لا أجوبة عندي. لكنها أسئلة بين شاشتين: واحدة تعرض أحوال العرب على مدى 24 ساعة، وأخرى تعرض شم النسيم عند الإنجليز. وضيوفهم جميعا. فعشرات الآلاف من المشاركين كانوا مواطنين مستجدين، لا علاقة لهم بروعة العصر الفيكتوري ولا بالحروب مع الاسكوتلنديين ولا بفظاعات هنري الثامن. فماذا يجمعهم إذن؟

يجمعهم الفرح بالفرح. يدركون أن الاستقرار تلزمه فرحة تخرجه من رتابته. فقراء وأغنياء. سود وبيض وهنود. نحن شعب لا نزال نخاف من الفرح. إذا ضحكنا يوم الاثنين «دقينا» الخشب وقلنا اللهم نجنا من دموع الثلاثاء. وبعضنا لا يزال يعتبر الحياة عارا وأن الحل في القتل والموت. وقد علمنا حكامنا أن الفقر واجب والفاقة فضيلة. وجميع الذين خرجوا ليفرحوا مع حفيد الملكة إليزابيث يملكون الضمانات الدنيا في الحياة: الضمان الصحي والاجتماعي والتقاعد وبدل البطالة. وفي بلداننا لا يخاف الناس من المرض بل من تكلفة العلاج.

في بلادهم، التي عمروا الكثير منها، بالكثير من خيراتنا وطاقاتنا وأيدينا العاملة، يخافون الآن من شيء واحد: أن تفيض مدنهم بفقرائنا الهاربين من بلدانهم، وبالعمال والأطفال والشبان. وبالملايين الذين ينتظرون فرصة الهجرة.