الأفراح الملكية والأتراح العربية

TT

أرادته الكنيسة الإنجليكانية زواجا على «سنة الله وقسيسه»، فشرعنت الكنيسة علاقة الحب التي دامت بين الأمير وليم ذي الملامح الديانية الناعمة وعشيقته كيت. الذي يهمنا هنا أن هذا الزواج الأسطوري الذي بلغت تكلفته نحو 120 مليون دولار لم تكن أجواؤه غائبة عن الثورات العربية، ولا أقصد التغييب القسري لممثل الحكومة السورية عن حضور العرس الملكي، احتجاجا على القمع الوحشي للمظاهرات الشعبية في سورية، كما لا أعني تغيب ولي العهد البحريني عن هذا العرس المخملي بعد أن «تكهرب» الجو بشوشرة المعارضة البحرينية في بريطانيا حول دعوته، الذي أقصده أن ثمة تشابها، طبعا مع الفارق الشديد في الأسلوب والوسائل والظروف، بين الثورات العربية ضد أنظمة الحكم فيها، ومطالب شعبية بريطانية ضد نظامها الملكي أثارها الزواج الملكي الأخير، أو لنقل بعبارة أدق، نكأت جرحها التكلفة الباهظة لهذا الزواج، الذي يتحمل بعض تكاليفه دافع الضرائب البريطاني.

ففي الوقت الذي يوجد فيه مئات الألوف من البريطانيين الذين احتشدوا منذ ساعات الصباح الأولى لشهود هذا العرس الأسطوري ولإلقاء نظرة سريعة على العريسين الملكيين ويعتبرون مساهمتهم كدافعي ضرائب في تغطية تكلفة الزواج أحب على قلوبهم من العسل، هناك شريحة أخرى تعتبر مشاركتها في تغطية هذا العرس الباذخ علقما على قلوبها المقهورة، خاصة أن بريطانيا تمر بمرحلة اقتصادية تقشفية صعبة، ولهذا تعالت الأصوات مؤخرا تطالب بعدم المساهمة الشعبية ليس في تغطية تكلفة مثل هذا الزواج، بل تشمل كل التشريفات الملكية وصيانة القصور الملكية ونفقاتها، وأن على الملكة أن تلزم دارها تغزل من فرو الغنم الإنجليزي معطفا لزوجها فتريح وتستريح، أما أكثر هذه المطالب تشددا، فهو المطالبة بإسقاط النظام الملكي البريطاني، معتبرينه منتميا لعصور قديمة لم تعد تتماشى برتوكولاتها وتشريفاتها وملابسها وعرباتها، بل وتكاليفها الباهظة، مع معطيات العصر الجديد، وهذه المطالبة بالتحديد تتقاطع مع مطالب الثورات العربية الأخيرة وشعارها الشهير «الشعب يريد إسقاط النظام»، الفارق الشديد أن المطالبة بأي تغيير على الساحة البريطانية مهما كان كبيرا لا بد أن يتم عبر صناديق الاقتراع الانتخابية، فهي الفيصل في حسم القضايا تماما كما يكرره هذه الأيام الرئيس اليمني، لكن الفارق بين الصندوق البريطاني والصندوق اليمني أن الأول يحمله الزعيم المنتخب لمعرفة رغبات شعبه، وأما الصندوق الثاني فيربض عليه الزعيم، آخذا بالشعار العربي الشهير «لنا الصدر دون العالمين أو القبر».

في تقديري أن النظام الملكي البريطاني يتحمل جزءا من مسؤولية انعدام الإصلاحات الحقيقية في عدد من الأنظمة العربية التي حنقت أو ثارت عليها شعوبها. السبب ببساطة أن هذه الأنظمة كلما أرادت أن تتنازل لتقدم إصلاحات وضعت التجربة الملكية البريطانية نصب عينيها، فهناك في الشعب البريطاني من لم يكتف بتكتيف نظامه الملكي ومنعه من ممارسة أي دور في حكم بلاده بعد أن كان الآمر الناهي ويطالبون بإسقاط دوره الهامشي التشريفي، بل وصل الأمر إلى حد إسقاط أفراحه الملكية، إذن فالمحصلة الحقيقية في أذهان الحكومات العربية أن الشعوب وإن تدرجت في المطالبات فهي تريد سقفا عاليا من المطالب، بل تريد خلع السقف بالكامل، ويقولون إن في النظام الملكي البريطاني عبرة لأولي الأبصار. ونحن نقول حتى الأفراح الملكية لم تخل من هاجس الأتراح العربية.

[email protected]