الرئيس أوباما مواطن أميركي فلنتجاوز هذا الأمر

TT

بدا ذلك غريبا، فلننظر.. يشهد العالم العربي اضطرابات ومؤشرات مثيرة للقلق إلى احتمال أن تشهد سوريا حربا أهلية كالتي نراها في ليبيا؛ لكن أشرس بكثير. وربما نشهد توحد حركتي فتح وحماس المتناحرتين قريبا. وسيتم اختيار قيادات جديدة في وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات الأميركية. كذلك تقترب الحكومة سريعا من الوصول إلى سقف الدين القانوني. ومن المثير للأسى ما سببه ارتفاع أسعار الوقود من مشكلات في الولايات المتحدة. والأعاصير تأتي بالخراب والموت في الجنوب، لذا يستدعي زعيم العالم الحر وسائل الإعلام من أجل بيان هام، ليس عن الحرب أو السلام أو الاقتصاد، بل عن شهادة ميلاده. لقد أثبت أوباما مرة أخرى أنه مواطن أميركي ولد في أميركا؛ وهو ما كنا نعرفه بالفعل. وأعني بـ«نحن»؛ الذين يؤمنون بوجود الحقيقة الموضوعية.

أضم إلى هذه المجموعة بعض «محبي الاحتفالات»، كما يدعوهم أوباما، الذين قادوا السذج والمصابين بجنون الارتياب إلى نظرية المؤامرة التي يؤمن بها «المشككون في محل ميلاد أوباما». هل كان دونالد ترامب يعتقد حقا أن هناك شكا في محل ميلاد أوباما؟ بالطبع لا. انظر كيف انتقل سريعا إلى «اللغز» المزيف التالي، الذي يبدو أنه يتعلق بسجل أوباما الدراسي؛ هل تقديره ممتاز أم مثالي؟

ينبغي أن تجتمع قوتان قبيحتان لإخراج عرض شهادة الميلاد؛ الذي أقل ما يوصف به أنه فضيحة قومية. تمثل إحدى القوتين محاولة محسوبة قام بها خصوم أوباما السياسيون للطعن في شرعيته الرئاسية. يبدو واضحا لي أن هذه الحملة، التي استهدفت تصوير أوباما بأنه مغتصب للرئاسة، وهذا التأكيد أنه لم يتم انتخابه حقا رغم حصوله على أغلبية الأصوات بفارق كبير، يتعلق بالعرق.

هل يختلف أحد على هذا الأمر؟ تخيل ما يمكن أن يقوله الخصوم السياسيون إذا كان محل ميلاد أوباما في منطقة قناة بنما مثل جون ماكين، منافسه الجمهوري في انتخابات الرئاسة عام 2008، أو تخيل إذا لم يخسر أوباما في استطلاعات الرأي الخاصة بشعبيته، لكن فاز بالأصوات داخل المجمعات الانتخابية مثل جورج بوش الابن عام 2000.

ليس مفاجئا بالنسبة لي أن يواجه أول رئيس أميركي من أصل أفريقي فحصا وتدقيقا في أصوله، وأتمنى أن لا يفاجأ أوباما بهذا الأمر هو الآخر. فمن المتوقع حدوث مثل هذه الأمور عندما تكون «أول من يقوم بأمر ما في التاريخ». لا يوجد لدي ما أقدمه إلى هؤلاء الذين لا يستطيعون تقبل حقيقة أن أوباما رئيس للولايات المتحدة سوى قول إنه أذكى وأكثر ثراء وأوفر حظا وأكثر وسامة، وإنه رئيسكم ورئيسي ورئيسنا جميعا. نعم.. إنه ذو بشرة داكنة، فلنتجاوز هذا الأمر!

لكن العرق ليس السبب الوحيد وراء ظاهرة المشككين في محل ميلاد أوباما. فمن أسباب هذه الظاهرة ازدياد التوجه نحو التعامل مع الحقائق باعتبارها كماليات شخصية يمكن استخدامها أو التخلص منها مثل أحدث طراز من الهواتف الذكية.

فإذا كانت الحقيقة غير مناسبة، فيمكن تجاهلها وتنحيتها جانبا، فمن المؤكد أن شخصا ما سيبيعك نسخة مزيفة من الحقيقة تروق لك.

تصح مقولة دانييل باتريك موينيهان «يحق لكل شخص أن تكون له آراؤه الخاصة، لكن ليست حقائقه الخاصة» على القرن الماضي؛ لا أتحدث هنا عن الرؤى المختلفة للعالم، بل عن عدم التوافق على ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي من الناحية الموضوعية. إن الاستقطاب السياسي أسلوب قديم، بينما الاستقطاب الإمبريالي، أي رفض مبادئ النهضة والتنوير التي تقوم عليها هذه الدولة، أسلوب جديد.

إن جنون التشكيك في محل ميلاد أوباما حالة متطرفة. وبحسب مسؤولي هاواي، يعد مستخرج شهادة ميلاد أوباما الصادر في يونيو (حزيران) عام 2008 وثيقة رسمية. هذا صحيح، أليس كذلك؟ لا ليس كذلك، بحسب ما يرى المشككون في محل ميلاد أوباما، فهم يريدون رؤية شهادة الميلاد الأصلية، حتى وإن كانت لا تعد رسمية. واستصدرها أوباما يوم الأربعاء الماضي، لكن هل وضع هذا حدا للمسألة؟ بمجرد أن أنهى الرئيس أوباما خطابه، تلقيت رسالة بالبريد الإلكتروني من أحد المشككين عنوانها «هل أغلقت القضية؟ ليس بهذه السرعة».

لكن هناك أمثلة أخرى أكثر وضوحا. تنظر الغالبية العظمى من العلماء في البيانات بإحباط ويخلصون إلى أن ارتفاع درجة حرارة الأرض والتغير المناخي حقيقيان. لا يقدم المشككون في محل ميلاد أوباما من جهتهم أي بيانات، بل فقط يقولون لا وينتقدون الآراء السياسية للعلماء بدلا من البحث بأنفسهم. سأل رودني كينغ ذات مرة: «أيها الناس، أريد فقط أن أسألكم هل يمكننا أن نتوافق؟»، يمكن ذلك فقط إذا اعترفنا بعدم وجود أي اختلاف بين الحقيقة والرأي، لكن من المؤكد أن الإجابة ستكون بالنفي.

* خدمة «واشنطن بوست»