وقتل بن لادن في منزله!

TT

أخيرا، وبعد عشرة أعوام، بل أكثر، من المطاردة، واجه أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي، قدره المحتوم.. لكن يالها من نهاية تشبه البداية بكل إثارتها، وعلى يد الأميركيين، وفي باكستان، وليس أفغانستان.

قُتل من يلقبونه بـ«زعيم المجاهدين» في منزله الفخم، وليس في ساحات القتال، أو الجهاد.. مات مع زوجته وثلاثة أشخاص، على عكس من غرر بهم من شبابنا، وشباب المسلمين، الذين زفهم للموت واحدا تلو الآخر على مدى أعوام، هو ومشايخ الشر والإرهاب، من كل جنسية، بينما توارى «المجاهد» في قصرٍ قيمة أرضه مليون دولار، وخلف سورين حصينين، وإلى جانبه زوجته الصغرى! بينما شبابنا في السجون، وفي جبال اليمن، وغياهب إيران، ناهيك عمَّن قُتل منهم، هذا عدا عن الأبرياء من كل ملة وجنس، ناهيك عن العالم الذي تغير بعد هجمات «القاعدة» الإرهابية على أميركا في 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وبعد ذلك انطلق شر «القاعدة» إلى دول العالم كلها، من دون استثناء؛ حيث وصل إرهابه إلى السعودية، ولم تستثن الأماكن المقدسة، والبشر؛ حيث قُتل بأسبابه آلاف الأبرياء في كل مكان.

قطعت رؤوس الأبرياء، وغدر بالمسافرين، والأطفال والنساء، وخرج مشايخ الشر يبررون له، ويقولون إن القتلى يُبعثون على نياتهم، وذكرونا بـ«التمترس» ليبرروا شرعية عملياتهم، ناهيك عن الخسائر المالية التي لا تقدر بثمن، وأهم من ذلك كله بالطبع الإساءة إلى سمعة ديننا. لكن زعيم الشر انتهى وسط منزله، بل يبدو أنه قُتل داخل غرفة نومه، كما توحي صور المنزل بعد العملية الأميركية العسكرية.

وبالطبع، فإن مقتل بن لادن يشكل ضربة معنوية هائلة بحق «القاعدة»، ومهما فعل التنظيم اليوم للانتقام، فإن الضربة أكبر من أن يتم تجاوزها؛ فبن لادن كانت له رمزية أكثر من أي شيء آخر؛ لأن وجوده كان يمثل رمزية بطولة يغرر بها الشباب السعودي والخليجي، واليمني، وكان يعرف كيف يحصل على الأموال، سواء من التبرعات أو المتاجرة بكل شيء حتى المخدرات والألماس، وغيرهما. وجوده كان عامل جذب، وقيادة. اليوم، وبعد مقتله، ستعجز «القاعدة» عن توفير زعيم لها يحمل شخصية بن لادن، أو مشروعيته التي تشكلت طوال السنين، وبتنقل المحطات. بل إننا في عالم متغير اليوم، وتحديدا العالم العربي، ومن الصعب تكرار نموذج بن لادن، فلا أحد اليوم يستطيع أن يسيطر على الخطاب الديني ويختزله بشخص، أو شيخ، أو قائد متخفٍّ في الجحور، أو القصور، ولا التمويل بات بالسهولة التي كان عليها، والوعي العربي والإسلامي بحجم الإساءة التي طالت ديننا بات كبيرا.

ملخص القول: إن نهاية أسامة بن لادن جاءت طبيعية، ومتوقَّعة، لكنها رسالة للعقلاء، وكذلك للمحرضين، بأن من غرر بأبنائهم وقذف بهم إلى الجحيم لم يُقتل في ساحة الوغى، بل وسط منزله الفخم، حيث يختفي مع زوجته، بينما أبناء الناس يُقتلون في مناطق النزاعات، أو أنهم مشردون في الجبال، أو ملقون في غياهب السجون. وبكل تأكيد، العالم اليوم أفضل كثيرا بعد مقتل إرهابي شيمته الغدر بدينه وأهله والعالم.

[email protected]