هل بات التهديد الصيني لموقع أميركا وشيكا؟

TT

تعقد القوتان العظميان الاقتصاديتان في العالم قريبا القمة الثالثة من حوارهما الاستراتيجي والاقتصادي. وبعيدا عن التفاصيل، فإن الموضوع الأساسي الذي يشكل أهمية للولايات المتحدة والعالم بأسره هو الهيمنة الاقتصادية الوشيكة المحتملة للصين. ففي خطاب الرئيس أوباما عن حالة الاتحاد الأميركي، بعد زيارة الرئيس هو جينتاو في يناير (كانون الثاني)، ظهر مدى القلق الذي يشعر به الساسة الأميركيون تجاه الصين بوصفها منافسا محتملا للولايات المتحدة، وربما تشكل تهديدا لها، مع زيادة قوتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية، بما في ذلك شراؤها للدين الأميركي. ولكن قياسا على رد الفعل تجاه خطاب الرئيس أوباما، لا ينظر الكثير من الأميركيين إلى ذلك التهديد بوصفه وشيكا. وأوضح البعض أن نفس الشيء قد قيل بشأن بروز روسيا كقوة عظمى منذ 40 عاما واليابان منذ 20 عاما، واتضح أن تلك التهديدات ليست إلا تخمينات زائفة. ولكن، ماذا لو كان التهديد الصيني لأميركا أكبر فعليا هذه المرة مما يعتقده الساسة؟ وفقا لصندوق النقد الدولي، على سبيل المثال، وصل إجمالي الناتج المحلي الأميركي في عام 2010 إلى 14.7 تريليون دولار، وهو أكثر من ضعف الناتج المحلي للصين البالغ 5.8 تريليون دولار، مما يجعل متوسط الناتج المحلي الأميركي أكبر بمقدار 11 مرة من متوسط الناتج المحلي الصيني. ولم يتوقع مصرف «غولدمان ساكس» أن يتفوق الاقتصاد الصيني على الأميركي حتى 2025 على الأقل، كما أن الأميركيين يستلهمون شعورهم بالرضا من نقاط القوة منقطعة النظير التي يتمتعون بها، والتي تشمل المجتمع الحر والثقافة التجارية والجامعات والمؤسسات البحثية عالمية المستوى.

غير أن هذه الاعتقادات ربما تكون متفائلة بشكل مبالغ فيه، فالأرقام الأساسية التي أسهمت في تشكيل هذه الاعتقادات مضللة نوعا ما، لأنها اعتمدت على تحويل قيمة السلع والخدمات حول العالم إلى دولارات بأسعار الصرف في السوق.

لقد عرف منذ وقت طويل أن استخدام سعر صرف السوق في تقدير قيمة السلع والخدمات مضلل في ما يتعلق بتحديد التكاليف الحقيقية للعيش في الدول المختلفة؛ فالكثير من السلع والخدمات التي لا يتم الاتجار فيها عبر الحدود (الرعاية الطبية وخدمات التجزئة والبناء.. إلخ) أقل تكلفة في الدول الأفقر نظرا لكثافة العمالة. واستخدام سعر صرف السوق لمقارنة مستويات المعيشة في الدول، لا يبرز بشكل حقيقي المزايا التي يتمتع بها المواطنون في الدول الفقيرة من إمكانية حصولهم على هذه السلع والخدمات. وتضع تقديرات تعادل القوى الشرائية في الاعتبار هذه التكاليف المختلفة، كما تعتبر بديلا، وفي بعض الأغراض وسيلة أفضل لحساب مستويات المعيشة والناتج الاقتصادي في الدول المختلفة ومقارنة بعضها ببعض. وتظهر حساباتي (الموضحة بمزيد من التفاصيل على الموقع الإلكتروني الخاص بمعهد بيترسون) أن الاقتصاد الصيني في عام 2010، والمعدل في ضوء القوة الشرائية، قدر بنحو 14.8 تريليون دولار؛ متخطيا اقتصاد الولايات المتحدة. وعلى هذا الأساس، فإن متوسط الاقتصاد الأميركي أعلى من متوسط الاقتصاد الصيني بـ4 مرات، وليس 11 مرة؛ مثلما تشير الأرقام التقليدية. هذه الأساليب المختلفة المستخدمة في تقدير الناتج الاقتصادي والموارد لا تحمل أهمية نظرية فحسب. بل إن لها أهمية فعلية ملموسة، خصوصا في توازن القوة والهيمنة الاقتصادية. تشير الأرقام التقليدية إلى أن الولايات المتحدة تمتلك 3 أضعاف قدرة الصين على حشد الموارد العسكرية الفعلية في حالات الحرب، في الوقت الذي تشير فيه الأرقام المعتمدة على تعادل القوة الشرائية إلى أن التقديرات التقليدية تبالغ بدرجة كبيرة في تقييم قدرة الولايات المتحدة. وبقدر أهمية خدمة الضباط وغيرها من السلع والخدمات الأخرى المنتجة محليا كموارد عسكرية حقيقية، يجب بالمثل وضع أرقام تعادل القوة الشرائية في الاعتبار. إن الميزة الاقتصادية التي تجنيها الصين ستزداد فقط في المستقبل نظرا لأن معدل نمو الناتج المحلي في الصين سيكون أعلى بدرجة كبيرة وبشكل ثابت منه في الولايات المتحدة في المستقبل القريب. وبحلول عام 2030، أتوقع أن يصل الاقتصاد الصيني إلى ضعف الاقتصاد الأميركي (بدولارات تعادل القوة الشرائية).

علاوة على ذلك، فإن صدارة الصين لن تقتصر فقط على إجمالي الناتج المحلي؛ فالصين بالفعل هي أكبر مصدر للسلع في العالم. وبحلول 2030 من المتوقع أن يصل حجم التجارة في الصين إلى ضعفه في الولايات المتحدة. والصين أيضا بالطبع دائن خالص للولايات المتحدة.

هذه التوليفة من الحجم الاقتصادي والمكانة التجارية، والمكانة كدائن رئيسي، ستعطي للصين نوعا من الهيمنة الاقتصادية التي حظيت بها الولايات المتحدة لنحو 5 أو 6 عقود من بعد الحرب العالمية الثانية التي تمتعت بها بريطانيا في فترة ذروة الحكم الإمبراطوري في القرن التاسع عشر.

وسيشكل هذا أهمية من زاويتين رئيسيتين؛ أولا، ستقلل من قدرة أميركا على التأثير في الصين بشكل ملحوظ، وهو الأمر الواضح جليا بالفعل من خلال عدم استعداد الصين لتغيير سياسة معدل الصرف التي تنتهجها؛ على الرغم من السعي الحثيث من جانب الولايات المتحدة إلى دفعها لذلك. ثانيا، سيكون النظام التجاري والمالي الحر الذي وضعته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية تحت إمرة الصين، بحيث يكون لها مطلق الحرية في أن تدعمه أو تقوضه. بالتالي، يجب أن تكون الأرقام الجديدة والحقائق الأساسية التي تمثلها والمستقبل الذي تنبئ به بمثابة تنبيه لأميركا بإعادة نظامها المالي إلى وضعه والعثور سريعا على مصادر جديدة لدفع عجلة الاقتصاد إذا لم ترغب في التخلي عن مكانتها السيادية إلى الصين الصاعدة، أو ربما التي صعدت بالفعل.

* زميل بمعهد بيترسون، ومؤلف كتاب «الهيمنة الاقتصادية للصين» الذي سيطرح قريبا

* خدمة «واشنطن بوست»