نهاية حقبة

TT

بدأت مع أسامة بن لادن حقبة مشابهة، وربما منقولة، عن حقيقة «الحشاشين»، بأسلحة العصر، من طائرات مدنية وأحزمة ناسفة. ومثل «شيخ الجبل» الذي يرسل القاتلين المقتولين ولا يعرفه أحد، هكذا تنقل أسامة بن لادن من جبال أفغانستان إلى جبال باكستان، أو العكس. وعاش في عالم المغاور والكهوف، يتأمل العالم الخارجي من بين الصخور ومن دنيا ليس فيها من الكهرباء إلا ما يكفي لتصوير الأسطوانات التي ترسل إلى الفضائيات، مزينة أحيانا بأبيات من الشعر، على طريقة المعلقات في زمن عكاظ. وكان عندما يتأخر في ذلك يتولى عنه منظره وطبيبه أيمن الظواهري.

وكان كلما تأخر سرت شائعة حول موته. وكلما تأخر الأميركيون سرت شائعة أخرى بأنهم في الحقيقة لا يريدون قتله؛ لأنهم يريدون الإبقاء على عدو يخرجون عليه أمام الرأي العام الأميركي، و «القاعدة» نموذج مثالي لهذا الدور. غير أن بن لادن قتل بأمر من الرئيس «الأكثر سلما» وليس بأمر الرئيس الذي أعلنه «مطلوبا، حيا أو ميتا». على أن الجميع كانوا يدركون أنه لن يقبض عليه حيا، وإنما كما قبض على تشي جيفارا في غابات بوليفيا.

مع اغتيال جيفارا تراجعت حركة الثورة في أميركا اللاتينية تماما. ولا ندري إلى أي مدى سوف تتأثر «القاعدة» بمقتل بن لادن، خصوصا من حيث العصب المالي. لكنها أخفقت بالطبع كحركة سياسية وظلت مجرد حركة انتحارية. وكانت تخطط لإقامة دولة في أفغانستان تنطلق منها إلى التوسع، لكن ضرب قندهار وإبعاد الملا عمر من كابل، أضعفا الشريك الرئيسي، طالبان، إلى خارج النطاق المركزي المؤثر. وسوف تطرح عملية الاغتيال في باكستان أسئلة كثيرة: أيهما الأهم: أن الباكستانيين ساعدوا في إخفاء بن لادن طوال هذا الوقت، أم أنهم ساعدوا الأميركيين أخيرا في الوصول إليه؟ ولماذا عجز عسكري مثل برويز مشرف عن القيام بهذه المهمة؟ وكيف سيكون تأثير العملية على الوضع الداخلي في باكستان، وهي المضطربة في أي حال؟

وقع هذا الحدث بينما العالم العربي يغلي في الاتجاهات كلها، وتبرز في بلدان كثيرة تجمعات دينية، تراوح بين التشدد وطلب الانصهار. ولا يمكن إخراج الحدث من هذا الإطار، لا في الرؤية الأممية ولا في الرؤية العربية. وباستثناء أوباما والفرقة الأميركية لقد فوجئ العالم أجمع بأمر كان الجميع يعتقدون أنه لن يحدث أبدا.

أعطت أميركا لنفسها حق مطاردة من «يهدد أمنها القومي» في أي مكان من العالم. مثل أبناء صدام حسين، ومعمر القذافي وأبنائه، وقبلهم أسامة بن لادن ورجاله. وربما كان بن لادن الأول على اللائحة. وفي موته، كما في 11 سبتمبر (أيلول)، خطف بن لادن الأضواء من الأحداث الأخرى. وعادت صوره في الكهف تملأ الشاشات.