أيام بن لادن.. وهنية!

TT

مقتل بن لادن جاء في وقت يطوي فيه التاريخ صفحة فكر تنظيم «القاعدة»، والتيارات المشابهة له؛ فحرمة التغيير التي تشهدها الدول العربية أثبتت ضعف مثل هذه الأفكار، وظهر فيها هذا التيار وأنصاره على هامش حركة التغيير. فلم نر أحدا من المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية يهتف باسم بن لادن أو الظواهري، وعلى العكس فإن أحدا لم يذكر اسم «القاعدة» وبن لادن، سوى الذين يتمسكون بكراسيهم أمام انتفاضة مدنهم وشوارعهم المطالبة بالديمقراطية مثل القذافي وغيره.

لذلك كان غريبا تصريح إسماعيل هنية، رئيس حكومة حماس، أمس، في رد فعله على إعلان مقتل بن لادن ووصفه له بالمجاهد، وإدانته لمقتله، فلم نسمع من قبلُ عن جهاد يبيح القتل العشوائي للمدنيين والتفجير والتخريب، ولم نرَ من «القاعدة» سوى الدمار والتخريب وتشويه صورة الإسلام في العالم وربطه بالإرهاب، وقد أسهم بن لادن في ذلك بالتمويل والتجنيد وشرائط التحريض والتكفير.

الغريب أن يصدر هذا التصريح من قيادي في حماس في هذا الوقت، بينما تبذل الجهود من أجل إبرام اتفاق مصالحة لإنهاء الانقسام الفلسطيني بين السلطة وفتح والحركة المتمترسة في غزة. فمثل هذا التصريح يظهر أن الفارق ليس كبيرا بين فكر هنية و«القاعدة»، ويعطي زادا للذين يهاجمون المصالحة ويتهمون الحركة بأنها منظمة إرهابية، وقد تكون أهدافهم استمرار الانقسام بصرف النظر عن فكر هنية أو غيره.

لقد حجمت حركة التغيير التي تشهدها المنطقة مثل هذه الجماعات صاحبة الفكر الضيق، بالضبط كما دفعت رياح التغيير والاحتجاجات المطالبة بالحرية والعدالة في سوريا حماس فجأة إلى البحث عن مصالحة مع الرئيس الفلسطيني خوفا من أن تجرفها التطورات وتجد مكاتبها هناك مطوقة بمتظاهري الحرية.

نهاية بن لادن كانت مقبلة بشكل أو بآخر، وأيامه انتهت منذ فترة، تماما كما انتهت أيام كارلوس، والاثنان سيظلان في التاريخ صفحة صغيرة عن ظاهرتين إرهابيتين صاحبتا إحدى الفترات، لكن تأثيرهما على حركة التغيير في التاريخ محدود. ففي الستينات والسبعينات كان الوجه الأبرز الملاحق دوليا للإرهاب كارلوس، الذي قضى سنواته الأخيرة مختبئا لا يسمع عنه أحد، حتى جرى تسليمه في صفقة بين الحكومة السودانية وفرنسا، انتهت به في السجن ولا أحد يتذكره الآن.

وفي التسعينات والعقد الأول من الألفية الجديدة كان الوجه الأبرز الملاحق دوليا أسامة بن لادن بآيديولوجية مختلفة عن كارلوس، وأساليب أخذت شكلا أكثر ترويعا مثلما حدث في 11 سبتمبر (أيلول) الذي سقط فيه أكبر عدد من الضحايا في التاريخ في عملية إرهابية. ومثل كارلوس بقي بن لادن في السنوات الأخيرة مختبئا وصوته خافتا حتى جرت عملية قتله في منزل فاخر بباكستان وليس في كهف بأفغانستان.

الفارق بين الاثنين أن الستينات والسبعينات لم يكن فيها الكثير من أدوات التكنولوجيا المتاحة حاليا، التي جعلت الدمار الذي قامت به منظمة بن لادن، «القاعدة»، أكثر دموية وترويعا.

مقتل بن لادن قد لا ينهي الإرهاب؛ فهو في السنوات الأخيرة لم يكن أكثر من رمز، بينما بدأت قيادات وشبكات محلية بديلة تظهر وتمارس الإرهاب بشكل محلي، لكن الأهم هو أن رياح التغيير ستجعل فكر هذه المنظمة شيئا من ماضي حقبة ماضية استخدمت فيها بعض الأنظمة هذه الجماعات وبن لادن والظواهري والتهديدات الإرهابية كذريعة أمام العالم لتبرير وجودهم في وجه عدم رضا شعبي، فبن لادن كان الوجه الآخر للعملة نفسها.