يا طالع الشجرة هات لي معاك بقرة!

TT

اجتاحت مصر في الستينات كل الألوان المسرحية.. أطلت ثم توارت لتظهر مرة أخرى تحت اسم «أدب العبث» أو «أدب اللامعقول».

وبادر توفيق الحكيم فكتب مسرحية «يا طالع الشجرة».. وهو مطلع أغنية شعبية تقول: «يا طالع الشجرة.. هات لي معاك بقرة.. تحلب وتسقيني.. بالمعلقة الصيني» - تطل بقرة من فوق الشجرة.. وهل هذا الكلام معقول؟ ليس معقولا ولكنه واقع..

وظهر اسم الأديب دورينمات. وقالوا: إنه لا معقول.. أي أنه عبثي. والعبث هو اللامعنى.. اللامنطق.. أي أن الوجود اللامنطقي حتمي. أي منطقي. أن يكون معقولا.. أي أننا عقلناه. ولما عقلناه اكتشفنا أنه لا معقول.

ولم يكن دورينمات لا معقولا ولا عبثيا بل مؤلفا دراميا من الدرجة الأولى.. ثم إنه ساخر أيضا. وتجيء السخرية على أفكاره قبل كلماته أو مواقفه.

وظهرت على المسرح مسرحية «علماء الطبيعة» من ترجمة د. عبد الرحمن بدوي. وهي من أروع أعمال فريدريش دورينمات.

وظهرت من ترجمتي أنا مسرحية «رومولوس العظيم».. وكانت حدثا فنيا لما فيها من تصوير للواقع الأوروبي. فقد قالوا إن الإمبراطور رومولوس ليس الجنرال ديغول الذي يريد أن يتخلص من الإمبراطورية ومن الجيش ومن الإمبراطور نفسه.

وقالوا بل رومولوس العظيم هو جمال عبد الناصر الذي انهزم وتحطم هو وشعبه. وهو يريد أن يغسل عار الهزيمة. وليست هذه المسرحية إلا مشروعا لذلك..

ثم ترجمت له مسرحية «هبط الملاك في بابل» وظهرت عشرين مرة على المسارح.. وفي العام الماضي سبع مرات على مسارح الجامعات.

وترجمت أيضا مسرحية «الزيارة» التي صارت فيلما ممتازا.

وترجمت له «هي وعشاقها»..

وأخيرا ترجمت له «الشهاب» التي ظهرت مرتين على المسرح.. وكان صداها جميلا..

قدمني دورينمات نفسه إلى ماكس فريش.. وقدمني إلى زوجته التي كانت ممثلة.

وهو رجل مستدير.. ممتلئ.. دماغه كبير في حجم البطيخة وكرشه أيضا وشفتاه غليظتان كمنظاره وحاجبيه.. ولكن وجهه ساخر..

وابتسامته لا هي ابتسامة فولتير أو طه حسين ولا هي ابتسامة العقاد ولا الحكيم.. وإنما إشارة صوتية إلى أن هذا الرجل من الممكن أن يقول فيكتب في أي وقت.