رسائل إلى أبي

TT

(1)

كنت أظن أنك مجداف حياتي.. فأدركت برحيلك أنك كنت القارب والموج والنهر..

كنت الحياة التي أسدلت عيناي الجفون عليها ونامت في أحضان رائحتك حتى استيقظت غريقة بين سواد عباءات النساء وبياض ثياب الرجال.

تبعثرت أمام أيام تشهد على رحيلك وخيال ما زال يؤمن بالعودة..

لملمت شملي بلهفة أم تطمئن على صغارها وبحثت في قلبي عما تبقى منك.. فوجدت أن الحنان.. الحب.. الدفء يبكون فراق الأمان.. فركض خيالي يبحث عنك خلف المكتب.. فوق السرير.. حول صغاري.. ولكنني أدركت أن القدر تركك كالحلم الجميل.. أراك بين غفلة وأخرى، عائدا بشماغك الأحمر وساعتك الواسعة وصوت سلامك يُنبض البيت فرحا.

وبين حلم وآخر توقظني أحرف (ر ح ل) من صفحات الجرائد وشاشات التلفاز على أمل أن يصدق الخاطر ذلك.. لأسقط في حنان مجدك بين تخليد حبك وعزة تقول:

سوسن محمد صادق دياب

(2)

ذلك اليوم الذي عزفت فيه أصابعك على مفاتيح الكومبيوتر لتسطر ذاك الرائع (أبحث عن ذلك المدعو أنا) أعاد إلينا نحن أيضا ملامح نعشقها..

ملامح جعلتني أغرق في خزانة ثيابك.. رائحة عطرك.. وسادتك لأبحث عنها.

ملامح طرت من أجلها لأحضانك، على أمل أن تعيد لنا حياة الفرح والطمأنينة..

وهي نفس الملامح التي جعلتني يوم غد أجزم بجنوني..

فهل من عاقل يقطع كل هذه المسافات، تاركا أمان حياته خلفه؟

هل من عاقل يمكن أن يصدق أن لابنتك سوسن وطنا أنت لست فيه؟؟

من قلبي..

أبي.. اجمع ملامح طمأنينتك.. وثق بالشافي.. وعد رائعا.. فأيامنا الحلوة في انتظارك..

(3)

تسابقت دموعي على صورتك..

وخنق الاشتياق قلبي فصرخ الوجدان مستغيثا.. باااابااااا..

بابا الذي أصبح من حياة ندور حولها إلى صور وذكريات ورائحة ملابس وكثير من الأغراض الشخصية..

ومن بين كل هذا ما زلت أبحث عنك حلما أو حقيقة.. بشرا أو خيالا على أمل أنه ما زالت هناك بقية..

بين مفترق الطريق أغمضت عيني وتذوقت كلماتك وأقدمت من دون سحرك ضد الوقوع في الحفر.. فسقطت عشرات المرات ضياعا.. ألما.. جوعا على نبلك..

وبكيت مئات المرات على أمل أن يعيدك الحنان.. لتمسح دموعي.. لكي تلتفت.. علك ترى الخوف الذي أعد أوراقه ومستنداته لكي يقيم عندي بصفة رسمية و(قانونية) أيضا بعد أن قرأ نبأ رحيلك في الصحف..

لعلك ترى الفرح الذي ودعني عند الباب قائلا: كيف تريدينني أن أبقى وأصبر وقد أخذ أبوك الصبر معه وذهبا ولن يعودا لأنهما لا يعرفان طريق العودة..

لعلك ولعلك ولعلك.

الكل ميت يا أبي.. أدرك تماما هذه الحقيقة..

هناك من يموت ولا يبكي عليه أحد..

وهناك من يموت ولكن يموت من يبكي عليه..

أجبني لو سمحت:

من الذي مات؟ أنت أم أنا؟

* ابنة الراحل محمد دياب