كيف تبحث عن فكرة تغير حياتك؟

TT

كان تصنيع السيارات في السابق يستغرق أسابيع طويلة، حتى توصل هنري فورد إلى «فكرة» غيرت مجرى صناعة السيارات، وغيرها من الصناعات في العالم، وهي تطبيق فكرة الحزام الآلي على خط الإنتاج المتحرك. تتلخص الفكرة بأن فورد أو أحد رجاله كان يقف ذات يوم أمام محل لبيع الدجاج عندما شاهد كيف يتم ذبحها بطريقة آلية أثارت انتباهه. إذ كانت الماكينة تسحب مجموعة من الدجاج فتقطع رؤوسها وتسلخها بطريقة سريعة على خط سير آلي يسير باتجاه أفقي، ولا يتطلب الأمر مجموعة كبيرة من العمال.

استحسن فورد الفكرة، وحاول تطبيقها في تصنيع السيارات، في مطلع القرن الماضي، حيث مرر السيارة على الحزام الآلي في خط الإنتاج (Assembly Line) فلاحظ أن إنتاجية الموظفين بدأت ترتفع، فلم يعد يتطلب الأمر أن يتحلق مجموعة كبيرة من الموظفين على سيارة واحدة حتى يصنعوها، بل صار كل يقف في مكانه انتظارا لأن تأتي سيارات متتالية على خط السير البطيء ليضع العامل القطعة المكلف بها، كإطار السيارة أو نافذتها أو مقبض الباب وغيره، ثم استبدل الأمر لاحقا بالآلات الحديثة التي صارت تصنع السيارة في غضون يوم ونصف اليوم تقريبا.

ما أود قوله إننا نمر يوميا على ركام من الأفكار المهمة التي يمكن أن تغير مجرى حياتنا وطريقة تفكيرنا، بل وحتى أعمالنا التجارية، وهو ما قلته، قبل أيام، لمتابعي في موقع «تويتر». هذه الأفكار المهمة يمكن أن نستقيها من الحوارات الدائرة حولنا في العمل أو المنزل أو على شاشة التلفزيون أو المذياع أو في الكتب المهمة أو الصحف اليومية وغيرها. وأذكر أنني قرأت ذات يوم أن الأمير طلال بن عبد العزيز كان قد قرأ في صحيفة «الشرق الأوسط» عام 1996م مقالا عن «حاجة العالم العربي إلى التوسع الكمي والنوعي في التعليم العالي»، فبزغت في ذهنه فكرة «إنشاء الجامعة العربية المفتوحة» التي رأت النور وامتدت بنجاح إلى مختلف أنحاء العالم العربي.

كل الأمور الجميلة من حولنا كانت في الأصل فكرة اقتنصها صاحبها وعكف على إخراجها إلى حيز الوجود، رغم تثبيط المثبطين من حوله. فالطائرة مثلا كانت فكرة خيالية، لكنها صارت واقعا ينقل جيوشا جرارة بجنودها وعتادها ثم تهبط بها مباشرة في أرض المعركة أو في عرض البحر على حاملة طائرات، التي كانت هي الأخرى مجرد فكرة.

وكذلك الإنترنت ومحركات البحث فيها، وناطحات السحاب، والمصاعد الكهربائية، والحواسيب، والآلات الحاسبة، وشبكات التواصل الاجتماعي، كل ذلك كان فكرة اقتنصها أناس فطنون فصرنا جميعا ننعم بها.

ومن أكثر الأمور التي نستقي منها أفكارا مهمة، أخطاء الآخرين. فعندما نسمع مديرا ممتعضا من تصرف أحد مرؤوسيه، لا بد أن يكون استماعنا إلى حوارهما في أوجه، حتى نصل إلى الفكرة التي يريد المدير إيصالها، لنتفادى الوقوع في الخطأ نفسه. أحيانا يكون استماعنا لصاحب قصة نجاح في مجال العمل أو في تربية الأبناء أو في الدراسة أو في سائر شؤون الحياة، هو بحد ذاته فرصة مواتية للوصول إلى فكرة مفيدة تكفينا عناء التجربة والخطأ أو إعادة اكتشاف العجلة كما يقال.

وأود هنا الإشارة إلى أن الخاسر الأكبر للأفكار الحياتية المهمة هو الذي ليس لديه هدف محدد على صعيد عمله أو أسرته أو حياته الشخصية. فهذا الذي يسير على غير هدى في حياته، كمن يقود سيارة ولا يعلم ما هي وجهته المقصودة، فتفوته لافتات إرشادية كثيرة كان يمكن أن تختصر عليه المسافة لو أنه حدد مسبقا هدفه. وكذلك الحياة، فإن أفكار الناس فيها هي بمثابة لافتات في الطريق ترشدنا إلى الطريق الأمثل نحو أهدافنا.

والفكرة قد تبدو غريبة بعض الشيء لأول وهلة، ولذا ينصح دائما ألا يستهين المرء بالفكرة التي يشاهدها أو يسمعها، بل يجعلها «تتخمر» في ذهنه، أو يناقشها مع أهل الاختصاص لتتبلور. ولهذا يقام في عالم الأعمال ما يسمى بالـ«Brainstorming» أو العصف الذهني للأفكار، والذي من شروطه أن يقدم كل مشارك فكرته شريطة ألا يقيمها أو يسفهها أحد من الجالسين، وبعد تراكم الأفكار يتم، في المرحلة التالية، استبعاد غير المطلوب أو غير الممكن حاليا منها.

الأفكار من حولنا كثيرة، ولو حاول المرء أن يرهف السمع لكل حوار يجري حوله، فسوف يجد أفكارا لا تعد ولا تحصى. وحبذا لو دون الإنسان ما يسمعه من معلومات مهمة لمدة أسبوع، حتى يدرك حجم الأفكار التي يمكن أن تسهم في تغير حياته وتفكيره نحو الأفضل. فالفكرة الجيدة لا توجد دائما بين دفتي كتاب، بل قد نجدها في ثنايا حديث متبادل بين صديقين لم نلق لهما بالا!

[email protected]