تموت الأسطورة وتبقى الخرافات

TT

من خرافات العرب أن الأميركيين قرروا التخلص من بن لادن، استخدموه لسنين وانتهت الحاجة إليه. من خرافات الأميركيين أن الباكستانيين خبأوا بن لادن وقد استخدموه كل هذه السنين. سيل من الخرافات رافقت الأسطورة أسامة بن لادن حيا ورافقته بشكل أكبر ميتا. والخرافات لا تموت؛ حيث راج مؤخرا أن بن لادن حي ومسجون سرا في مكان ما في أميركا.

لا أحد يهون عليه تصديق الحقائق البسيطة في القضايا الكبيرة؛ لهذا لا يزال صعبا على كثيرين إلى اليوم أن يصدقوا أن هتلر انتحر في قبو وأحرقت جثته هكذا ببساطة. كثيرون لا يصدقون أن اوزوالد من اغتال وحده جون كنيدي، وتقريبا كل الاغتيالات في التاريخ هناك من يشكك فيها.

بن لادن مات جسدا، أو على الأقل مات رمزا بالنسبة لمن لا يريد أن يصدق أنه يمكن أن يموت هكذا. والمعضلة أن موته، كما كان متوقعا، لن يمر دون صخب بين خصومه ومواليه وهذا ما جعل الرئيس الأميركي باراك أوباما يظهر في كل صورة مرتبطة بالحدث من البيت الأبيض ليحتفل مع معظم الأميركيين الذين كانوا سيموتون كمدا لو أن العدو الأول مات في فراشه ميتة طبيعية. ولأنه لا يريد تحويلها احتفالية للكراهية، سعى للتأكيد على أن بن لادن هو العدو لا المسلمون. في الماضي كان الجيش المنتصر يدور برأس العدو المقطوعة في الأحياء للتأكيد على موته. أوباما فضل منع نشر صور القتيل بن لادن خشية أن تجعله شهيدا في زمن العرب مشغولون فيه بمحاربة أنظمتهم.

ومع أنني أشارك المتشككين ظنونهم بأن طرفا ما في الأمن الباكستاني أخفى بن لادن في ذلك البيت الكبير لنحو خمس سنوات، لسبب بسيط؛ أنه لا يمكن أن تختبئ عائلة كل هذا الزمن في وقت ترصد الأنفاس في كل البيوت. لكن من الناحية العقلية أيضا لا أجد منطقا في أن الأمن أو أي طرف باكستاني له مصلحة في حماية بن لادن أو التعامل معه. باكستان أيضا مثل أميركا ضحية لتغلغل «القاعدة»، التي أنهكت النظام الأمني والسياسي. وعندما نقول إنه لا يعقل أن خمس سنوات لم يكتشف فيها الأمن الباكستاني بن لادن في هذه المدينة المجاورة للعاصمة، أيضا علينا أن نتساءل كيف يمكن للأمن الباكستاني أن يكون قد تآمر كل هذه السنين مع «القاعدة» وزعيمها ولم يعثر أحد على دليل قاطع يفضح هذه العلاقة؟ دون أدلة يصعب أن نصدق أيا من هذه الروايات، خاصة أن المخابرات الأميركية ركزت بشكل هائل على مراقبة باكستان وأجهزتها بسبب الشكوك ولم تظهر لنا بعد ما يثبت أن لـ«القاعدة» ارتباطا بأحد ما في النظام الباكستاني.

الخرافات حول الأسطورة بن لادن ومنظمته لا نهاية لها، هناك من يعتبره عميلا مزروعا للأميركيين، بدليل أنه منحهم المبررات لكل هذه الحروب. وهناك من يظن أن بن لادن خرافة لا وجود له. وهناك من يريد جعله قديسا وبطلا وقد قام الأميركيون بتشويه سمعته. وهناك من يعتبره ضابطا في المخابرات الإيرانية. ثم تأتي الخرافات المحلية حيث تجزم المعارضة أن النظام في بلدها (اليمن) يتعامل مع بن لادن ومنظمته.

[email protected]