هوس اسمه: أسامة بن لادن!

TT

قرأت مقالة في صحيفة «القبس» لسيدة كويتية ترثي فيه أسامة بن لادن بشكل مثير وحافل بالشوق، إلى درجة الإفصاح عن رغبتها العارمة، لو استطاعت، أن تتزوج فارس أحلامها الذي رحل عن الدنيا، وعنونت أشواقها بـ«آه.. لو كنت زوجته»!

المقال انتشر على الإنترنت، وقد أفاضت الكاتبة المشتاقة في وصف أجواء وحياة «الفارس» أسامة الذي يأتي نهاية كل يوم إلى كهفه في تورا بورا مغبرا من المعارك وثوبه كل يوم ملطخ بدم شهيد جديد، وهي تستقبله ضمن «حريم الخليفة» في كهفه..

الصورة تبدو مغرقة في الخيال والأوهام طبعا، فلا أسامة كان في كهف أسطوري، بل في حي راق من ضواحي إسلام آباد، وهو كان محبوسا عن العالم الخارجي كما قالت زوجته لمدة خمس سنوات، وكان شغله الشاغل في الفترة الأخيرة كيفية التواري عن الأنظار والخلاص من الشبكة الأمنية الدولية الهائلة التي نصبت له، إضافة لأمراضه الجسدية المعروفة.

باختصار، المقال هو صورة «أنثوية» متطرفة ومتوهمة عن أسامة، لكن السؤال هنا: هل هذه الحالمة هي وحدها من تشاهد صورة زائفة عن أسامة بن لادن؟!

أظن أن طبيعة ردود الفعل لدى المجتمعات الإسلامية بعد مصرع أسامة بن لادن، جلها ينبع من ينبوع نفسي لا عقلي واقعي. ردود فعل الناس كانت تتسم بالعاطفية المحضة، والانفعال الواضح، وحينما نقول ردود فعل عاطفية، فهذا ينطبق على صورتي العاطفة «الحب والكره»، السلب والإيجاب.

وهناك طبعا منطقة مختلطة بين الكره والحب، فمثلا هناك من كان يتحدث طيلة السنوات الماضية عن أن أسامة و«القاعدة» لا يمثلون الإسلام أبدا، وإنهم انحراف عن الإسلام الحق، ثم لما صرع بعد مطاردة طويلة من قبل القوات الأميركية، خرج البعض منهم على الشاشات يكاد يجهش بالبكاء ويكيل المدائح والدعوات لأسامة، فهل خسارة رجل شوه الإسلام وحرفه عن صوابه، كما كانوا يقولون لنا، تعتبر شيئا مفيدا للمسلمين وصورة الإسلام أم لا؟ وعلام هذه العواطف الجياشة إذن؟!

وهناك من كان يقول إن بن لادن مجرد صناعة أميركية و«فزاعة» لتخويف العالم، وهذا ما ركز عليه أكثر من قرأت لهم من الكتاب العرب، وأيضا على الإنترنت، من شتى الاتجاهات، بل رأيت في صحيفة سعودية رمزا من رموز الحداثة، وآخر كاتبا من التيار الصحوي، في العدد نفسه، يتفقان على هذا المعنى نفسه (أسامة أكذوبة أميركية).. حسنا، إذا كان أسامة «أداة» أميركية فقط، فمن حق صاحب الأداة أن يتخلص من أداته متى أراد.. أليس كذلك؟! لن نناقش طبعا مصداقية هذا الكلام، ولا اختزاله لمشكلة التطرف الديني، التي هي الرحم الولود لـ«القاعدة» وغير «القاعدة» مما سيأتي من تشكيلات إرهابية، لأن الإنسان إذا دخل في هوس المؤامرات الخالدة فلن يخرج منها. هنا نصبح أمام حالة هذاء نفسي أكثر منه كلاما عقلانيا.. طبعا لسنا ننفي وجود مؤامرات وحيل في عالم القوى والسياسة، فهذا طبع الصراع على المصالح بين البشر منذ الأزل، لكننا ننفي هذا «الاختزال» المخل في حشر ظاهرة الإرهاب الديني والتطرف في لحظة مؤقتة من لحظات الصراع الدولي بين أميركا والشرق.. وأميركا نفسها، والشرق الإسلامي نفسه، ليسا شيئين ثابتين وحجرين أصمين، بل حالات تحول وتفاعل مستمرة، كما رأينا في الفرق بين أميركا بوش وأميركا أوباما، وعرب مبارك وبن علي، وعرب المظاهرات والثورات في ميدان التحرير وشبان الإخوان المسلمين.

ويظل سؤال يشغل الذهن: لماذا تم التعامل مع مصرع أسامة بن لادن، وهو أشهر طريد دولي لكل مخابرات العالم، بطريقة عاطفية نفسية، مختلطة المشاعر؟.. هل تفاجأ الجميع بمقتله، أم كرهوا أن تقتله أميركا، أم أننا تعودنا على وجوده في مسرح الأحداث الدولي فشعرنا بفقدان مؤلم له؟!

يحتاج الأمر فعلا، من قبل أهل المعرفة والاختصاص، إلى تحليل نفسي، أكثر منه إلى نقاش سياسي أو اجتماعي أو سياسي.. وما الأخت الحالمة بالزواج من أسامة إلا مجرد نموذج نفسي انفعالي، تجاه شخص أسامة، ومثلها كثير في شدة الانفعال والتعلق بصورة أسامة، من الرجال والنساء، بالزواج، وبغير الزواج طبعا.

[email protected]