هدية قطرية ـ عمانية لإيران!

TT

يا لها من هدية مجانية ثمينة قدمتها قطر وعمان لإيران!.. فبينما تمر العلاقات الخليجية الإيرانية في أدنى مستوياتها، وتشهد توترا غير مسبوق، تستقبل عاصمتان خليجيتان وزير خارجية إيران، فاتحة الباب أمام إيران للخروج من عنق الزجاجة الذي نجح مجلس التعاون، دبلوماسيا، في وضعها فيه مؤخرا. وعندما اقترب الشارع الخليجي من تصديق حلم راوده عقودا من الزمن، بأن هذا التجمع السداسي في طريقه للعمل بطريقة مؤسساتية ووحدوية تتناسب وظروف المرحلة، كانت المفاجأة، إذا صح التعبير، بهذه الزيارة غير المتوقعة، وهو ما سيقض مضاجع الخليجيين، ويوقظهم من أحلامهم، بأن قرارهم لم يحن الوقت بعد، لأن يكون جماعيا.

ولأن إيران لا تقبل بأقل من الصفاقة في التعاطي مع كل يد تمد لها، فقد ردت سريعا على التحية القطرية، ولكن بالأسوأ وليس بالأحسن منها، فبعد لحظات من استقبال القيادة القطرية لوزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، هاجم الأخير، من الدوحة، دول مجلس التعاون الخليجي الذي قطر وعمان عضوان رئيسيان فيه، بل ذهب أبعد من ذلك بانتقاد وجود قوات درع الجزيرة في البحرين، وأيضا قطر وعمان يشتركان في تشكيل هذه القوات، وقال «لا ينبغي إرسال القوات والجحافل ليقوموا بما قاموا به»، أي أنه قبل أن ينتقد الخليجيين، وسياستهم وقرارهم، انتقد قطر، وهو على أراضيها.

أفهم أن السياسة لا تعني قفل الأبواب مطلقا، ولا يعني الخلاف الخليجي الإيراني، مهما ساء، قطع العلاقات الدبلوماسية، ومنع الزيارات بين مسؤولي الجانبين، لكن أيضا مبادئ السياسة تؤكد أن لكل موقف ثمنا، وخاصة في فترات الأزمات، لكن طهران استطاعت أن تضع رجلا على رجل، وتستقبل الهدايا المجانية واحدة تلو الأخرى، فبعد الهدية المصرية، التي كانت بلا مقابل أيضا، بالتأكيد على «فتح صفحة جديدة مع إيران»، تحط الطائرة الدبلوماسية الإيرانية، في قلب الخليج، منتقدة سياسات دوله جميعا، فمرحا لإيران ولا عزاء للعمل الجماعي.

لمن يتعاطف مع طهران، ولأنصار مد اليد لها، نقول: مهلا مهلا، ولنعد لأسبوع مضى، فقط، ونرى ما فعلته إيران لتعزيز عدائها مع شعوب الخليج.. فهي احتفلت أولا بما سمته اليوم الوطني للخليج «الفارسي»، ثم أدلى رئيس أركانها بتصريحات مستفزة قائلا إن «الخليج فارسي وسيبقى فارسيا»، ثم صرح مساعد قائد سلاح البحر بأن «الخليج الفارسي الخالد سيبقى على هذا الاسم إلى الأبد»، قبل أن يقول رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني إن دول الخليج «ألعوبة بيد أميركا والكيان الصهيوني»، أما رئيس منظمة الدفاع المدني الإيراني فقد اعتبر أن إمارة دبي «تشكل مقرا للحروب الاقتصادية التي تشنها أميركا على إيران»، ناهيك بالهجوم المنظم والمستمر على السفارة السعودية، ومحاولة الاعتداء على الأندية السعودية التي ذهبت لطهران لتلعب كرة قدم، فهل أبقت إيران على أي فرصة لتحسين النيات تجاهها؟

باختصار، كادت تتفوق السياسة الخليجية مجتمعة للمرة الأولى، لكن هذا التفوق ضرب عندما استقبلت بعض دول الخليج وزير الخارجية الإيراني، وكأن المواقف الخليجية ما هي إلا حبر على الورق، ولا تشكل مواقف حقيقية، على الأقل لبعض الدول. وهنا لا بد من الإشارة إلى التقرير الخطير الذي نشره في هذه الصحيفة أمير طاهري، والمنسوب لمجلس الشورى الإيراني، حيث يوصي التقرير بـ«توطيد العلاقات مع قطر لشق صف دول الخليج»!

هل فعلا تريد طهران شق الصف الخليجي؟ هذا أمر مفروغ منه، لكن المصيبة الكبرى أن ذلك يقدم لها على طبق من الماس، ودون مقابل. هنيئا لإيران بالهدايا التي تقدم لها، ولا عزاء لـ«مجلس تعاون» لا تحترم قراراته ولا بياناته!

[email protected]