من الخجل أن يكشف الإنسان عن جميع أوراقه!

TT

هناك بعض المحلات والفنادق، بل وبعض المطاعم أيضا في أوروبا وأميركا لا تمانع من دخول الكلاب مع أصحابها، وهذا هو الأمر الذي لا أطيقه، وموقفي هذا ليس من باب (العنصرية) ضد الكلاب، أبدا والله، فمنها - أي من الكلاب - ما هو أفضل كثيرا من بعض الناس، ولكنني فقط (أقرف) من الكلب عندما يفتح فمه ويمد لسانه، لا أكثر ولا أقل، رغم أنني مدين لكلب لا يمكن أن أنساه، ولو أنكم أردتم أن أحكي لكم عن معروف وجميل ذلك الكلب الذي مع الأسف لم يكتمل، وهو قدمه لي مع زميلي على (طبق من الدولارات).والحكاية وما فيها يا سادتي أنه في أواسط السبعينات الميلادية سكنت مع أحد الزملاء بفندق (بالاس فيغاس) في أميركا، وللأسف أن زميلي ذاك قد بعثر في الليلة الماضية نقوده مع نقودي دون (إحم ولا دستور)، وعندما أفقنا في الصباح نريد المغادرة، وجلسنا في بهو الفندق نحسب ما تبقى لنا من نقود، وإذا بها لا تفي بتسديد إيجار الغرفة، وانطبق علينا المثل القائل: (ذهبت السكرة وجاءت الفكرة)، وبينما كنا واقعين في (حيص بيص) وإذا بكلب أبيض جميل (مرجل الشعر) يأتي إلينا ويتمسح بركبة زميلي، حاولت أن أطرده قائلا له كعادتنا البدوية (الخلا، الخلا)، غير أنه أميركاني ولا يعرف (عربي)، فظن الأهبل أنني ألاعبه، فما كان منه إلا أن يرفع يديه يريد أن يضعهما على كتفي، وبينما كنت أنا أتقافز مع ذلك الكلب بين (كر وفر)، وإذا برجل عجوز أنيق يأتي إلينا وأخذ يربت على ظهر الكلب بإعجاب، ثم يسألنا إذا لم يكن هناك مانع لدينا من شرائه! وقبل أن أقول له: إنه ليس بكلبنا، تفاجأت بزميلي يقول له: ليس عندنا مانع، وقيمته ثلاثمائة دولار. وإذا بالرجل يخرج المبلغ من محفظته دون تردد ويدفعه لنا وهو يقول: لو أنني في مكانكما فلن أبيعه بأقل من ثلاثة آلاف دولار. ثم أمسك بطوق الكلب وخرج به من الفندق، وما هي إلا دقائق، وإذا برجل آخر يأتي راكضا ومتلفتا بقلق ولهفة، فسأله زميلي الذكي الخبيث: هل أنت تبحث عن كلب ضال؟! فقال له: نعم، هل رأيته؟! فرد عليه: إن في وسعي أن أهديك إليه. فقال الرجل: إنه معروف منك لن أنساه مدى الحياة. فقال له: هل تدفع لي ثلاثمائة دولار لقاء ذلك؟! فلم يتردد الرجل وأخرج له المبلغ، غير أن زميلي (الأمين القنوع) رفض أن يأخذ منه المبلغ قبل أن يأتيه بالكلب، قائلا له: استرح في مكانك وضع نقودك في محفظتك حتى أجيئك بالكلب.

وانطلق مسرعا خارجا من الفندق، ومن حسن حظه أنه لحق بالرجل الذي يقود الكلب واستوقفه معتذرا وقائلا له: آسف يا سيدي، لقد (خانقتني واستلبشتني) زوجتي عندما علمت أنني بعت الكلب، وهذه هي نقودك كاملة أعيدها لك، ولا شك أنك لا تريد أن تهدم بيتي. فعطف عليه الرجل وأخذ نقوده وأعطاه الكلب.

وما هي إلا أقل من ربع ساعة حتى دخل علينا ومعه الكلب، وما إن شاهده صاحبه (المتحرقص) على أحر من الجمر حتى أخذه بالأحضان، وأعطاه المبلغ.

وبدلا من أن يحمد زميلي ربه ويذهب إلى (الكاشير) ويحاسب عن الغرفة، إذا به يذهب رأسا كالأعمى المصرقع إلى طاولة (الروليت)، وما هي إلا أقل من خمس دقائق - أو بمعنى أكثر دقة - ما هي إلا أربع (برمات) من كرة الطاولة التي عددتها أنا بنفسي، حتى تلاشى المبلغ كله، وعدنا كما كنا بجيوبنا (المهوية) التي تعشعش فيها العناكب - (وكأننا يا أبو زيد ما غزينا)، أو مثلما يقول إخواننا في باب الشعرية: (يا فرحة ما تمت)!

لا تسألوني عن الذي حصل لنا فيما بعد، فمن الخجالة أن يكشف الإنسان عن جميع أوراقه، التي هي بكل تأكيد لا تسر الصديق ولا تغيظ العدا.

[email protected]