بن لادن و«الإخوان المسلمون»

TT

أسامة بن لادن تتلمذ على يد الشيخ عبد الله عزام، وعزام أحد رموز «الإخوان المسلمين» في فرعها الفلسطيني، إذن «الإخوان المسلمون» حركة إرهابية أو في أقل الأحوال البيئة التي تفرخ الإرهاب.. هذه هي المحصلة التي وصل إليها بعض المثقفين بعد الاغتيال الأميركي المدوي لأسامة بن لادن. حسنا فقد يبدو هذا التسلسل منطقيا للوهلة الأولى، لكن دعونا نطبق هذا التسلسل «المنطقي» على حالات أخرى لنرى إن كان غير قابل للاهتزاز أم لا.. فأبو نضال الفلسطيني الذي اختطف عددا من الطائرات وفجر أخرى وقتل المئات من المدنيين هو الآخر محسوب على منظمة التحرير الفلسطينية، المحسوبة على التيار الليبرالي الفلسطيني، إذن منظمة التحرير حركة إرهابية أو في أقل الأحوال تفرخ الإرهاب.. والشيخ عمر عبد الرحمن الموضوع في قائمة مراجع الإرهاب العالمية حسب التصنيف الأميركي محسوب على المدرسة الأزهرية، إذن الأزهر مؤسسة إرهابية أو هي تفرخ الإرهاب، ورموز الخوارج في عصور الخلافة الراشدة الذين مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية تتلمذوا على يد عدد كبير من أجلاء الصحابة إذن.... عفوا لن أكمل، ودعونا نتوقف عن هذا التسلسل المزعج، فتهافت هذه الجدلية العقيمة من الوضوح بحيث لا يحتاج أن نواصلها تأدبا مع أجلاء الصحابة.

هذه هي إحدى النظريات المتهافتة التي برزت بعد مقتل بن لادن.. نظرية ثانية هي الأخرى تتأرجح وتتمايل آيلة للسقوط، اختزلها عدد من المثقفين بالإيحاء بأن أسامة بن لادن ورط أتباعه ومعتنقي فكره وجعلهم مطاردين مستهدفين من أجهزة الأمن الدولية، فصاروا بين مشرد بين الفيافي والقفار، أو مغيب في السجون، في الوقت الذي ينعم فيه بسكنى بيت فخم قدر ثمنه بمليون دولار، يتمتع فيه بمعية زوجته الصغيرة. وطبعا فالحقائق على الأرض أثبتت لاحقا أن البيت أقل من عادي، بتصميمه وأثاثه ومحتوياته، وأن أسامة كان حبيس هذا البيت في سجن جبري طوعي منذ خمس سنوات، وأنه عانى الكثير وضحى بالكثير من أجل فكره الذي اقتنع به، في الوقت الذي كانت تؤهله فيه ثروته الضخمة أن يسكن أجمل القصور والمنتجعات وأن يتلذذ بأحلى ما في الدنيا من نعيم. المشكل هنا أن البعض فهم من هذه التضحيات والمعاناة والحياة الصعبة التي عاشها بن لادن مبررا لغض الطرف عن الجرائم التي ارتكبتها «القاعدة» في حق بلاده وأمته الإسلامية، وأيضا في حق الإنسانية، وهذا ما غاب عن مثل السيد إسماعيل هنية الذي أشاد بصولات أسامة وبطولاته وعداوته للتحالف الأميركي الصهيوني، دون أن يعرج على التحذير من مرض الفكر المتطرف الذي أسهم بن لادن و«القاعدة» في نشره في العالم الإسلامي، مما تسبب في مقتل الآلاف من الأبرياء بدم بارد. كنت أود أن أستمع إلى تعليق إسماعيل هنية عن بن لادن وفكر «القاعدة» لو أن مجموعة من أتباع بن لادن استهدفت قبيل مقتله تفجير عدد من المقرات الأمنية التابعة لحكومة حماس في قطاع غزة فقتلت العشرات من كوادر حماس الأمنية في غزة ومعهم العشرات من المواطنين الذين كانوا في موقع التفجير، أو اغتالت أحد رموز حركة حماس بحجة تصريحه بإمكانية القبول بحدود 67 مع إسرائيل.. ماذا كان هنية حينها سيقول؟

أمجاد بن لادن في أفغانستان ومقاومته للاحتلال السوفياتي بجهده وماله كانت ستبقيه بطلا في عين أمته، لولا أنه غير مجرى فكره بسماحه بالتلاقح الضار الذي صار بين حركته والفكر المتطرف للجماعة الإسلامية المصرية التي يقودها أيمن الظواهري، وعليه فجهاده ضد السوفيات وحملته ضد التحالف الأميركي الصهيوني وتقشفه وزهده بل وتدينه لن ينسينا فكره المتشدد، ولن يثنينا عن التحذير من هذا الفكر والتنديد بكل من سكت عنه، كما لن ينسينا الجرائم التي ارتكبتها «قاعدته» في حق الإسلام والمسلمين والإنسانية، ولن ينسينا الضربة القاصمة التي أصابت العمل الخيري بسبب فكره و«قاعدته».. كل هذه الخطايا لا تقل سوءا عن خطيئة أميركا في طريقة دفن أسامة، والثقوب الكبيرة في رواية مقتله، وأخيرا خطيئة تعميم فكر أسامة بن لادن على كل من كانت له به صلة.

[email protected]