إلى أي مدى ستستفيد أميركا من ارتفاع العملة الصينية؟

TT

تعقد الولايات المتحدة والصين حوارهما السنوي الاستراتيجي والاقتصادي في واشنطن هذا الأسبوع، وسط توقعات بأن يتصدر سعر صرف الدولار والرينمبي قمة أولويات أجندة المباحثات. وكعادتهم على مدار السنوات السابقة، حث عدد من أعضاء الكونغرس الحكومة على ضرورة فرض إجراءات عقابية صارمة تدين الصين على ما اعتبروه تلاعبا غير عادل بالعملة. أضف إلى ذلك ما شهده العام الحالي من السباب العدائي والمهين الذي وجهه دونالد ترامب للصين.

غير أن مطلب تشديد العقوبات على الصين من قبل صانعي السياسة الأميركية فشل في إدراك أن الرينمبي ارتفع سعر صرفه بالفعل مقابل الدولار بصورة ملحوظة وهو ما سيعاظم من فوائد الرينمبي القوي بالنسبة للولايات المتحدة، التي من المتوقع أن تستفيد منه أكثر من الصين نفسها. وهناك بعض الحقائق المهمة التي حجبها التهديد اللفظي والسباب. فمنذ الصيف الماضي، عندما عادت الصين إلى نظام سعر صرف ما قبل الأزمة الذي سمح للرينمبي بالتذبذب أمام الدولار داخل نطاق تتحكم به، ارتفعت العملة الصينية بمقدار خمسة في المائة مقارنة بالدولار بصورة اسمية. وتزايدت سرعة ارتفاع سعر صرف الرينمبي منذ بداية العام الحالي، ففي نهاية أبريل (نيسان) وصل الرينمبي إلى أعلى مستوى له مقارنه بالدولار منذ أن بدأ التداول به عام 1994.

ولدى استعمال مقاييس حقيقية، فإن رفع أسعار الرينمبي كانت أكثر ضخامة مما اعتقد البعض، فمعدل سعر الصرف الحقيقي يضع في اعتباره تحركات السعر في كل من الولايات المتحدة والصين. وعندما ترتفع الأسعار بصورة أسرع في الصين منها في الولايات المتحدة، فإن رفع سعر الرينمبي بقيمة حقيقية يكون أسرع من رفعه من الناحية الاسمية.

ومع وصول نسبة التضخم إلى 8 في المائة سنويا في الصين الشهر الماضي، ارتفع سعر صرف الرينمبي بصورة فعلية بنسبة 8 إلى 9 في المائة مقابل الدولار خلال العام الماضي. وبحسب إحصاءات مجلة «ذا إكونومست» البريطانية، فمنذ عام 2005 عندما تبنت الصين نظام النطاق المتحكم به، ارتفع سعر صرف الرينمبي 24 في المائة بصورة اسمية ونحو 50 في المائة بصورة فعلية مقارنة بالدولار. وعلى الرغم من هذه التغييرات، فإن وجهة نظر صندوق النقد الدولي، ووزارة الخزانة والكثير من الاقتصاديين وأنا بينهم، تتمثل في أن الرينمبي لا يزال أقل من قيمته. والفائض الكبير في العملات الأجنبية الصينية واستمرار ارتفاع احتياطيات النقد الأجنبي دليل يدعم هذه النظرية. لكن التوجهات الصينية الأخيرة يصعب تفسيرها. فاحتياطيات العملات الأجنبية الصينية لا تزال تواصل النمو، بزيادة مثيرة للدهشة، حيث وصلت إلى 19 في المائة في 2010 وتزايدت في الربع الأول من العام الحالي إلى أكثر من 3 تريليونات دولار. بيد أن تدفق رأس المال إلى الصين الذي من المتوقع أن يواصل الارتفاع بسبب توقعات المستثمرين ارتفاع سعر صرف الرينمبي سيزيد من الاحتياط الأجنبي للصين.

في الوقت ذاته، انخفض كل من الفائض التجاري الصيني والفائض الحالي في العملة بشكل ملحوظ وكنصيب في الناتج المحلي الإجمالي للصين. وبالفعل، فإن فائض العملات الصعبة في الصين كنصيب من الناتج المحلي الإجمالي قد انخفض أكثر من 50 في المائة منذ أن وصل إلى الذروة في عام 2007، وتشير النتائج الأولية خلال الربع الأول من العام الحالي إلى إمكانية حدوث المزيد من التراجع، بحسب توقعات السلطات الصينية.

ونتيجة لهذه التوجهات المتضاربة، هناك شكوك كبيرة بشأن مدى استمرار انخفاض الرينمبي مقابل الدولار. وبطبيعة الحال، لا توجد تبريرات لمطالب بعض أعضاء الكونغرس المطالبين بأن تعيد الصين تقييم العملة وإلا فستواجه فرض تعريفات انتقامية (التي ستكون غير قانونية بموجب قوانين منظمة التجارة العالمية). علاوة على ذلك، لا يتوقع أن تكون الفوائد العائدة على الاقتصاد الأميركي من رفع قيمة الرينمبي مقارنة بالدولار كبيرة كما توقع العديد من أعضاء الكونغرس. ففي الفترة بين عامي 2005 و2008، ارتفعت قيمة الرينمبي مقابل الدولار بنسبة 20 في المائة بصورة اسمية، لكن اختلال الميزان التجاري بين الولايات المتحدة والصين لم يتراجع كما كان متوقعا. وعوضا عن ذلك زاد العجز بمقدار الثلث وواصل نصيب الصين من الواردات الأميركية الزيادة في كل فئات الاستيراد. تفسير هذه النتائج المثيرة للدهشة يكمن في حقيقة أن الكثير من الواردات الأميركية من الصين هي منتجات تم تجميعها في الصين من مكونات أنتجت في دول آسيوية أخرى. وكان نصيب الصين من القيمة المضافة لهذه المنتجات ما بين 10 إلى 30 في المائة، إذن فإن رفع قيمة الرينمبي بـ20 في المائة فقط له تأثير أقل بكثير على أسعار الواردات الأميركية من الصين، ما لم يكن رفع سعر الرينمبي متوافقا مع رفع أسعار العملات الأخرى المقابلة في الدول الآسيوية التي تزود الصين بالمكونات. ولم تكن هذه هي القضية مثار النقاش بين عامي 2005 و2008، كما لم تكن القضية منذ أن بدأ الرينمبي بالارتفاع مقابل الدولار في 2010.

وبحسب التقرير الذي أصدره صندوق النقد الدولي مؤخرا، فإن: «سعر الصرف الموحد الفاعل للرينمبي إذا ما تم تقييمه وفقا لتحركات سعر الصرف في عملات الدول المزودة للمكونات لصادرات الصين، نجد أن هذه المكونات ارتفعت بصورة أكبر من الرينمبي». وعلى الرغم من ارتفاع سعر صرف الرينمبي سواء بصورة اسمية أو حقيقية في مقابل الدولار، فإن عملات الدول الموردة المهمة للصين، خاصة كوريا الجنوبية وتايوان وهونغ كونغ، انخفضت عملاتها مقابل الدولار وعملات الدول الأخرى التي تعتبر أسواقا رئيسية للصادرات الصينية.

وأخيرا، فحتى وإن حدث انخفاض بارز آخر في سعر الصرف الفعال الموحد الصيني، وحتى وإن تسبب ذلك في حدوث تراجع بارز في الميزان التجاري الأميركي مع الصين، فمن غير المتوقع إلى حد بعيد أن يتزايد الإنتاج في الولايات المتحدة ليحل محل الواردات من الصين. والنتيجة الأكثر إمكانية هي أن تحل واردات من دول الأسواق الناشئة محل البضائع الصينية، مع تأثير بسيط على الإنتاج أو الوظائف في الولايات المتحدة. وخلال الأسابيع الماضية، أشار العديد من المسؤولين الصينيين، ومن بينهم رئيس الوزراء الحالي وين جياباو، إلى أن الصين ربما تتخذ خطوات لتسريع عملية رفع سعر صرف الرينمبي وتوسع من عملية تداوله لإضفاء مزيد من المرونة أواخر العام الحالي. وهناك العديد من الأسباب التي تجعل ذلك في مصلحة الصين.

فالصين تناضل للسيطرة على التضخم في الميزانية، في أعقاب تضخم أسعار المواد الحساسة سياسيا مثل الطاقة والغذاء والعقارات، وهو ما أدى إلى زيادة الأجور والإضرابات وارتفاع معدلات السخط الشعبي. وبحسب استطلاع أخير للرأي، فقد كان ارتفاع أسعار السلع مثار قلق المواطنين الصينيين، فقد كان ارتفاع الأسعار وتدني مستوى الأجور سببا رئيسا وراء مظاهرات ميدان تيانانمين عام 1989.

وزادت الصين من سعر صرف عملتها عدة مرات في تتابع سريع، في محاولة لخفض اقتصادها النشط إلى حد كبير وخفض ضغوط التضخم. وفي الوقت ذاته، فإن التراجع في قيمة الدولار وانخفاضه شبه القياسي في الأسابيع الأخيرة، رفع من سعر الرينمبي. وبالتأكيد فإن رفع أسعار الرينمبي مقابل الدولار سيساعد الصين في محاربة التضخم المستورد، خاصة بالنسبة للنفط والسلع التي يهيمن الدولار على سلعها العالمية. وسيعمل رفع سعر الرينمبي تفادي حدوث فقاعة في سوق العقارات الصينية عبر خفض الحوافز للمستثمرين الصينيين والأجانب لشراء العقارات الصينية كسبيل للتكهن بمستقبل قيمة الرينمبي. كما أعلنت الصين أيضا عن خطة خمسية طموحة تدعو إلى إجراء تحول جذري في استراتيجية النمو الصينية من الاعتماد على الصادرات والاستثمار إلى الاعتماد على الاستهلاك. وسيسهم رفع قيمة الرينمبي في مساعدة الصين على تحقيق هذه الأهداف عبر تعزيز القوة الشرائية لدى المستهلكين الصينيين لتحويل الإنتاج بعيدا عن المنتجات المصنعة لتصدير البضائع والخدمات للأسواق المحلية. وسيعمل الرينمبي القوي الذي يتمتع بمرونة تتوافق والتغير في أوضاع السوق العالمية في خدمة أهداف كل من الولايات المتحدة والصين. وهو ما ينبغي أن يشكل مقدمة منطقية للمناقشات الاقتصادية والاستراتيجية حول سعر الصرف الأسبوع القادم. عندها لن تكون هناك حاجة أو مكان للتهديدات والسباب بين الجانبين.

* خدمة «نيويورك تايمز»

* لورا دي أندريا تايسون، أستاذة في كلية هاس

لإدارة الأعمال بجامعة كاليفورنيا، في بيركلي، وعملت رئيسة لمجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس كلينتون.