درس متواضع في تعلم الدين

TT

لدي وجهة نظر متواضعة، وهناك احتمال أن تكون وجهة نظري هذه خاطئة، ولكنني أطرحها بكل هدوء وشفافية وصدق، وهي من أولها إلى آخرها لا تعدو إلا أن تكون مجرد اجتهاد.

وهي تتعلق بأهم ركيزة في حياتنا من الولادة إلى الموت: ألا وهي (الدين)، وكيف نستوعبه؟!، وكيف يؤثر فينا؟!، وكيف يرفع من شأننا ويحسن أخلاقنا ويرقق ضمائرنا؟!

كل هذا لا يتأتى إلا بالطريقة الصحيحة لتعليمه، أي اتركوا الدين يتغلغل في عقولنا وقلوبنا برفق كما يتغلغل المطر (الهتان) في حبيبات التراب، بدلا من السيول الغزيرة الهادرة التي تجرف في طريقها الأخضر واليابس، والرسول الكريم لخص (الدين) في حديث له جامع مانع، وهو من أقصر الأحاديث ولا يزيد عن كلمتين، وذلك عندما قال صلى الله عليه وسلم: (الدين المعاملة).

وتخيلوا يا عباد الله لو أن أمة الإسلام أخذت فقط بهذا الحديث وطبقته بحذافيره، فكيف تكون حياتها؟!، وعلى أي محجة بيضاء تكون هي؟!

لا أريد أن أذهب بعيدا خوفا من الغرق، لأنني أعرف حجمي، فنصيبي من التبحر في علوم الدين بسيط و(على قد حالي)، لهذا أتمنى التركيز بطبيعة الحال على أركان الإسلام الخمسة، وبعدها نلتفت (للأخلاق) التي هي عنصر أساسي لأي معاملة إنسانية متحضرة.

وإليكم هذه الحادثة (الواقعية والخيالية) في نفس الوقت، فيقال: إن أحد الآباء قد لاحظ أن برنامج المدرسة الحديثة، التي أراد أن يلحق ابنه بها، ليس فيه شيء من دروس الدين، وسأل في ذلك مدير المدرسة، فأجابه هذا قائلا: إننا نلقن الدين للتلاميذ في الدروس الأخرى، ففي دروس الحساب نعلمهم الدقة، وفي دروس اللغات نعلمهم الصدق والأدب واللباقة في كل ما ينطقون به، كما أننا في دروس التاريخ نقوم بإبراز الصور الإنسانية وتحقير النواحي القبيحة في حياة الأمم والشعوب. وفي الجغرافيا نقوم بتوسيع نظرتهم إلى العالم، وفي الرياضة البدنية نعلمهم الجلد والصبر والتسامح وسعة الصدر، ثم إننا نحثهم دائما على الوقوف في جانب الحق، وتوقير الكبير والعطف على الصغير والتعاون على ما فيه خير الجميع.

والآن يحق لي أن أتساءل: هل صحيح أنه ليس هناك تناقض بين العلم والدين، فكلما ازداد نصيب المرء من العلم ازدادت معرفته بالكون، وإذا ازدادت معرفته بالكون ازداد إدراكا لحقيقة نفسه، ومن عرف نفسه فقد عرف الله؟!

أظن أنه صحيح إلى حد كبير.

ولكي أخرجكم من هذه الفلسفة فدعوني أدخلكم قليلا في براءة الطفولة، فيقال إن أستاذ الدين بعد أن انتهى من حديثه عن (الجنة والنار) سأل تلاميذه الصغار قائلا: الذي يريد أن يذهب إلى الجنة فليرفع إصبعه، فرفعوا جميعا أصابعهم إلا واحدا منهم، فعاد المدرس يسألهم: من أراد أن يذهب إلى النار فليرفع إصبعه، ولما وجد أن أحدا منهم لم يرفع إصبعه، التفت إلى التلميذ الذي لم يرفع إصبعه في الحالتين، وسأله إلى أين إذن أنت تريد أن تذهب؟!

فأجابه قائلا: أحب أن أذهب إلى المنزل.

أرجو أن لا يظن أحدكم أنني أنا كنت ذلك التلميذ الصغير!!

[email protected]