مقتل بن لادن والربيع العربي

TT

كان هناك شبه إجماع بين المعلقين، على أن أسامة بن لادن لم يقتل برصاص فرقة الكوماندوز الأميركية في ملجأه الباكستاني، في الأول من مايو (أيار) 2011، بل إنه «توفي سياسيا» بعد خسارته حرب «الجهاد الإرهابي»، وبعد اختيار الأجيال العربية والإسلامية الجديدة طريقا آخر للتحرر والنهضة واستعادة الحقوق المسلوبة أو الضائعة، وصف بـ«الربيع العربي».

كما أجمع هؤلاء على أن غياب مؤسس تنظيم القاعدة لن يقضي على الإرهاب، وعلى أن هناك «خلايا متطرفة» نائمة قد تقوم ببعض العمليات المؤذية، ولكن من غير المؤثرة على الاستقرار والسلام والعلاقات بين الشرق والغرب.

ولكن بعد ركود هذه الضجة التي أثارها مقتل أسامة بن لادن، سوف يظهر من جديد، وعلى ضوء ما جرى ويجري، أكثر من سؤال حول هذا الربيع العربي الواعد الذي بات يشهد غيوما داكنة تتجمع في سمائه.

ذلك أنه ليس من وصف أفضل أو أصدق للحالة العربية الراهنة من التعبير التقليدي: «اختلط الحابل بالنابل». فالأحداث، من إيران إلى ليبيا، مرورا بسوريا واليمن، وبغيرها من الدول العربية والشرق أوسطية، باتت متشابكة ومتفاعلة ومتسارعة المفاجآت، بشكل يعجز العقل السياسي في الحكم عليها وتبصر مآلاتها.

ففي الوقت الذي كانت فيه الأنظار مشدودة إلى ما يجري في سوريا واليمن وليبيا، فوجئ الجميع بالمصالحة بين السلطة الفلسطينية وحماس، وبدخول «مصر الجديدة» إلى الساحة العربية بشكل أثار قلق إسرائيل، التي سارعت بإعلان رفضها للمصالحة الفلسطينية، أي إحكام إغلاق باب مفاوضات السلام.. وكانت المفاجأة الأخرى تطور التدخل العسكري الغربي في النزاع الليبي، وصولا إلى قصف منزل القذافي في طرابلس. ومما «زاد الطين بلة» – كما يقول المثل العربي القديم – هو موقف الولايات المتحدة من كل هذا الذي يجري، وهو موقف قد يكون واضحا أو منطقيا من حيث المبدأ، أي تأييد حق الشعوب والديمقراطية، ولكنه، عمليا أو واقعيا، مليء بالتناقضات، من حيث تأييده للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين وتخوفه من توحيد الصف الفلسطيني، وهي الخطوة التي لا بد منها للتوصل إلى أي حل للقضية الفلسطينية. كذلك من حيث تفاوت مواقفها بالنسبة لما يحدث في سوريا وليبيا واليمن.

إن نظرة أعمق إلى الرهانات المعقودة على ما جرى ويجري - وقد يجري مستقبلا - من انتفاضات وثورات وانقلابات في الشرق الأوسط والعالم العربي، قد تكشف بعض الغموض أو تجيب عن بعض التساؤلات. فالمعركة الانتخابية الأميركية القادمة، التي للوبي اليهودي فيها دور معروف، ليست، ولن تكون، غائبة عن الموقف الأميركي من عملية السلام.. كذلك الانسحاب العسكري الأميركي من العراق وأفغانستان والمرتبط بقدرة الحكم في أفغانستان والعراق على الصمود في وجه طالبان والتيارات الإسلامية المتطرفة. ومن هنا فإن مضاعفات المصالحة الفلسطينية وعودة مصر إلى الساحة العربية، لا سيما استحقاق إعلان الدولة الفلسطينية في سبتمبر (أيلول) المقبل، باتت عوامل مؤثرة جديدة على «الربيع العربي»، الذي قيل إنه لم يحمل معه «الشعارات القومية» السابقة التي كانت «الثورات» العربية السابقة ترفع شعاراتها تبريرا لاستيلائها على الحكم أو للاستبداد بالشعب من ورائها. بل شعارات ديمقراطية وإنسانية وسلمية.

ثمة عامل مهم آخر، مرتبط بتطورات المصالحة الفلسطينية، ألا وهو مآل الأحداث في سوريا. ذلك أن لسوريا وجودا ودورا في المنطقة أهم من دور تونس أو ليبيا. لا سيما بعد تحالفها مع إيران ومشاركتها في جبهة المقاومة والممانعة التي تعتبرها الولايات المتحدة، والغرب عموما، ودول عربية مهمة أخرى، عقبة في وجه السلام، بل تهديدا لاستقرارها. والسؤال الجديد الذي أضيف إلى عشرات الأسئلة المطروحة هو: ماذا سيكون موقف دمشق من المصالحة الفلسطينية؟ ومن حماس، خاصة؟ هل سيكون هو ذاته موقف إيران؟ أم أنه سيكون مختلفا، وموضوع مساومة إقليمية ودولية؟ الجواب مرهون بتطور المجابهة ونتائجها بين المعارضة الشعبية السورية ونظام الحكم البعثي. بل قد يكون من المؤثرات على نتائج هذه المجابهة. ولا يغيب عن البال موقف «الحكم الجديد» في مصر من التمزقات العربية الداخلية والإقليمية. ومن السياستين الأميركية والإسرائيلية؟

أن تكون الشعوب في الدول العربية المحكومة بنظام سلطوي قمعي منذ عقود، راغبة في تغيير أو تطوير هذا النظام، مسألة لا خلاف عليها. سواء تحقق ذلك على الطريقة المصرية أو التونسية أو الليبية أو السورية. واختلاف الوسيلة أو الأسلوب ليس مرهونا، فحسب، باختلاف طبيعة تكوين الشعوب العربية وأوضاع كل بلد أو دولة عربية، وعلاقتها أو دورها في النزاعات الدولية الكبرى في المنطقة وعليها. وشئنا أم أبينا، فإن هناك، في الميدان، مصالح أكبر من غيرها، أو قوى أقدر من أخرى، في التأثير على الأحداث. وهي الأميركية والإيرانية والإسرائيلية، وأيضا السعودية والمصرية، وتليها التركية والسورية. ومن هنا يجوز القول إن المفرقين المهمين في الأشهر المقبلة هما مضاعفات المصالحة الفلسطينية ومآل الأحداث الجارية في سوريا. وربما الأزمة الجديدة بين أركان الحكم في إيران، وخيار الرئيس أوباما بالنسبة لقيام الدولة الفلسطينية في سبتمبر المقبل.

نعم، لقد طويت صفحة بن لادن وقاعدته مع الانتفاضات الشعبية العربية التي اختارت طريقا آخر للتحرر والنهوض والتقدم. والمهم هو أن لا تضيع هذه الفرصة التاريخية الجديدة، كما ضاعت فرص أخرى من قبل.