كأنك لا تزال حيا!

TT

أطلب الشاي ولا أسأل عن العسل. أطلب الطعام ثم أنظر إلى الشاي وإلى الطعام. وكأنني أردت أن أتأكد أني إذا طلبت وجدت. وإذا وجدت دفعت. فأنا حر أن أشرب أو لا أشرب، ولكني على يقين بأنني قادر على أن أدفع. وبس.

أخيرا، ذهبت إلى أحد المطاعم. الجرسونات تتجه لي وشكرتهم، وكنا كثيرين. وجاء الطعام والشراب وأكلوا وضحكوا. ولم تمتد يدي إلى شيء من الذي أمامنا؛ فأنا لم أطلب.

وإنما يعرفون ما آكله فطلبوا لي. ودفعت. ولم يجد الجرسونات حرجا في أن يسألوا وألا ينتظروا جوابا: سلامتك يا أستاذ. صحتك بالدنيا. نورت يا أستاذ. ألف سلامة.

والمعنى: لم يعد لشيء معنى. ما الذي عليك لو قلت: إنما أردت أن أمتحن قدرتي على الرفض، والحقيقة أن الذي ينقصني هو القدرة على أن أقول لما تبقى من العمر: نعم وألف نعم. ولكن، أن تقول: نعم، وأن تقول: لا، عادة نمارسها كل يوم. وأحيانا لا نحتاج إلى شفتين. وإنما نشير. تقول: آه بدماغك أو تهز رأسك علامة موافقتك على الذي اقترحه الجرسون من طعام أو شراب. أو دون أن يقول.

من قال للأشجار في غابة كولونيا إننا في الخريف، فقد وقفت عارية وأوراقها صفراء تتساقط على الأرض ويكشفها الهواء البارد! كل شيء بارد وكل شيء ذابل يتساقط، وأنا أتساقط أيضا وأتساند على نفسي وعلى الآخرين.. فلا أوراق ولا أزهار، ولا أطيار، ولا ألوان ولا رائحة، ولا عشاق تحتها في الأماكن البعيدة.. ومن حين إلى حين تسمع آهات بلا صوت. صوت غريب عجيب، إنه ارتطام ملايين الأوراق الذابلة يطلق آخر أنفاس الحياة.

وكان لا بد أن أنحني للأشجار التي بدأت طاقتها بالانحناء من أجلي، مع أنني لم أرد التحية، ولو أردت فلن أستطيع.. إنني لا أطلب المستحيل.. لماذا لا تتساقط جذورك على شكل قبر صغير مثل قبر نابليون الذي هناك، ولو حدث فهي سيمفونية الموت.