هل يزعجك تثاؤب جليسك؟

TT

ربما يتذكر البعض ذلك الصبي الذي كان واقفا خلف الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش حينما كان الأخير يلقي خطابه الرئاسي الحماسي في فلوريدا، عام 2004، عندما اصطادت عدسة الكاميرا الصبي وهو يتثاءب بوضوح أكثر من مرة، وعلى الهواء مباشرة، فتناقلت وسائل الإعلام الأميركية ذلك المشهد بشيء من التندر، إذ فسر البعض تصرف الصبي العفوي على أنه إشارة صادقة على أن خطاب الرئيس الأميركي كان مملا! غير أن والد الطفل ظهر على إحدى شاشات التلفزيون ليؤكد أن ابنه «لم ينم جيدا ليلة البارحة لأنه استيقظ مبكرا للحضور إلى موقع الخطاب في الوقت المناسب» حسب قوله.

هذه الحادثة مؤشر على أننا أحيانا نتثاءب لأننا لم نأخذ قسطا كافيا من النوم، لا لأن كلام المتحدث صار مملا بالضرورة. والملاحظ أن بعض الناس كالمديرين، مثلا، يظنون أن تثاؤب أحد المشاركين في الاجتماع هو دليل قاطع على ملله من كلام المدير، وهو ما لا تتفق معه بعض الدراسات.

وهناك دليل آخر على أن تثاؤب الفرد ليس دائما علامة على ملله أو رغبته في النوم، إذ تشير تجارب الناس ودراسات علمية على أن التثاؤب سلوك معدي Contagious ينتقل فور رؤية أحد يتثاءب سواء كان الشخص ماثلا أمامنا أو من خلال الصور. بل ذهبت دراسة أخرى إلى أبعد من ذلك، إذ أظهرت أن «العدوى التثاؤبية» تنتقل أيضا بقراءة مادة تتحدث عن التثاؤب، وهو ما حدث مع كاتب هذه السطور مرات كثيرة أثناء كتابة هذا المقال!! ومن أغرب طرق انتقال عدوى التثاؤب ما حدث لفاقدي البصر - في دراسة تطبيقية - الذين تثاءبوا فور سماعهم لحديث يتناول موضوع التثاؤب! ويسري التثاؤب كما يقول الدكتور قزاز «إلى معظم الحاضرين (55%) بل إن المتثائب الجيد يصيب 7 آخرين بعدواه» على حد تعبيره. ولذا نجد أن هناك «إتيكيت» أو آدابا للتعامل مع التثاؤب حينما يدهمنا أثناء الحوار، وهي تحد من انتشار عدواه، وتتلخص في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ‏«إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع ولا يقل ‏هاه ‏هاه فإنما ذلكم من الشيطان يضحك منه» ومن السنة أن يضع المرء ظاهر يده اليسرى أو باطن اليمنى على فيه ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وهو أدب رفيع من آداب الحوار ومجالسة الآخرين.

وتكمن معضلة التثاؤب في أن بعض المتحدثين ما أن يرى أحدا يتثاءب حتى يسارع إلى تغيير الموضوع أو يمسك عن الحديث ظنا منه أن جليسه لم يعد مستمتعا بالحديث، غير أن مشرف التخطيط والتطوير والبحوث بمستشفى النور التخصصي بالعاصمة المقدسة الدكتور زهير جميل قزاز يختلف مع ذلك في بحثه الجميل «لغز التثاؤب» إذ يقول فيه إن التثاؤب هو «فترة تعتري الشخص فيفتح عندها فمه. وهو فعل طبيعي من أفعال التنفس يشترك فيه الإنسان مع غيره من الكائنات، فالسمك، والطيور، والزواحف بل معظم الثدييات ومنها القطط تتثاءب، وفي الإنسان يبدأ التثاؤب في رحم الأم، ولا يتوقف إلا مع انتهاء العمر». يضيف أن التثاؤب هو «نوبة قوية في دورة التنفس، يكون فيها حجم فتحة البلعوم أكبر بأربع مرات من حجمها في الأوقات العادية».

وأظهرت دراسة أخرى أن «التثاؤب يرسل هواء باردا إلى العقل فيجعله في حالة يقظة». ويؤكد الباحثون أن «التثاؤب يؤجل النوم قليلا، ولا يروج له» كما يظن البعض، في إشارة إلى أن التثاؤب ليس دليلا على الرغبة في النوم فقد يحتاج الجسم إلى انتعاشة بسيطة. ومن الآن فصاعدا حينما تشاهد شخصا يتثاءب أمامك فاعلم أن «ثمة حالات يكون التثاؤب فيها أكثر من غيرها» على حد قول الدكتور قزاز مثل: «الحمل عند النساء، والشعور بالشبع، أو في فترة الصيام، إضافة إلى اختيار الوقت غير المناسب للتنقل والشعور بالغثيان». وعليه فإن عقد الاجتماعات أو المحاضرات عقب وجبة غداء أو إفطار دسمة قد يساهم في دفع بعض الحاضرين إلى التثاؤب نتيجة شعورهم بالشبع.

الإنسان «يتثاءب في المتوسط ربع مليون مرة في حياته بواقع 5 مرات في اليوم الواحد» حسب ما توصل إليه باحثون متخصصون في مجال التشريح والطب النفسي والعصبي الذين أعلنوا ذلك في مؤتمر عقد في باريس العام الماضي. والتثاؤب كما رأينا له أسباب كثيرة، بعضها متناقض، وليس هناك رأي قاطع يجزم بأن سببه ملل المتثائب من حديث جليسه. وعليه، إذا انتاب جليسك نوبات من التثاؤب المباغتة فلا تقلق فليس العيب فيك كمتحدث.

[email protected]