الرئيس يريد إسقاط الإمام!

TT

مع انتشار الحديث عن الثورات العربية بمختلف تطوراتها وتقلباتها المثيرة والمحبطة والمقلقة، يأتي الحديث عن أحداث إيران وأخبارها بمثابة إضافة مهمة. الرئيس الإيراني المثير للجدل يعود لواجهة الخبر مجددا، ولكن هذه المرة ليس عبر خطاب سياسي محرض على جيرانه أو لاستغلال ظرف سياسي دولي ولا لقمع مطالبين بحقوق وحريات في بلاده، ولكن بسبب «حرب باردة» بينه وبين المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي. أحمدي نجاد خسر كل معاركه بشكل كبير؛ فهو زاد من عدد أعدائه حول العالم العربي، وزاد من رقعة العقوبات على بلاده واكتسب خصومات هائلة جديدة في محيطه الإقليمي من دول الخليج العربي، إضافة لموجة شعبية عارمة تطعن في نتائج الانتخابات الرئاسية وتتهم الفريق الفائز بالتزوير وقامت على أثرها معارضة كبيرة وعارمة في مناطق مختلفة من البلاد، مما وتر المناخ العام فيها، وأحدث شرخا في علاقة الولي الفقيه مع الناس، لأن أحمدي نجاد كان محسوبا وبقوة على المرشد الأعلى، وكان المرشد دوما ما يدعمه ويدافع عنه. حاول المرشد أن يمسك العصا من النصف فينتقد بعض سياسات أحمدي نجاد، ولكن ظل يدافع عن الرئيس نفسه، وزادت الفجوة بين الرجلين بشكل واضح وملحوظ مع زيادة «التعدي» على شخص خامنئي في المظاهرات ووصفه بأسوأ العبارات خلال الأحداث العنيفة الأخيرة التي وقعت بين المعارضة والأمن، وأحس أحمدي نجاد بأنه قد يكون كبش فداء سياسيا للنظام، وحاول الابتعاد عن جهاز الحرس الثوري (القوي والبغيض وصاحب الحظوة الكبيرة لدى خامنئي) علما بأن جهاز الحرس الثوري كان أهم داعم ومزكٍّ لاختيار أحمدي نجاد في الرئاسة الأولى له، ولكن أحمدي نجاد يحاول بسط نفوذه الشخصي على النظام الحاكم في إيران ويحاول إجراء تغييرات في الحرس الثوري نفسه، وهو الجهاز المحسوب على خامنئي فيفصل ويعين كما يشاء فيه، حتى كان التدخل المباشر من أعلى سلطة في إيران من خامنئي نفسه حين أعاد للعمل إحدى الشخصيات التي قام نجاد بفصلها من العمل، مما جعل نجاد يعتكف لمدة أسبوعين في منزله بعيدا عن عمله! أحمدي نجاد يعلم أن «خامنئي» ليس بالخميني، لا كمكانة سياسية، فالثاني هو رمز الثورة في إيران وله من المكانة الخاصة ما ليس لغيره، وكذلك من المكانة العلمية والدينية التي جعلت مرجعيته أوسع وأجدر، بينما خامنئي جدارته العلمية بقيت مجال تشكيك ومراجعة، نظرا لوجود كثيرين غيره ممن هم أجدر وأعلم منه، ولكن الخميني لم يختر أحدا منهم لخلافته، نظرا لخلافه معهم في مسألة ولاية الفقيه المثيرة للجدل، التي اعتبرها أكثر من شخص أنها بدعة دينية لا أساس لها ولا داعي لاستحداثها أبدا. وفي زخم كل الأحداث الحاصلة حول إيران حاولت إيران، تارة من خلال خطب الجمعة التي يلقيها خامنئي نفسه أو من خلال خطب سياسية يدلي بها أحمدي نجاد، أن «تسرق» الثورات لنفسها وتروج أنها هي صاحبة الفكرة والملهم لما يحدث في الشوارع العربية، واضطرت هي لفعل كل ذلك بعد أن «قاست» واستشعرت غيابها عن الحراك الشعبي، فلا أعلام لحزب الله ولا صور لحسن نصر الله، وهما المعروفان بأنهما أداة تسويق فكر الثورة الإيرانية التي تسعى حثيثا لتصديرها للعالم العربي، وبالتالي اضطرت للحراك بالشكل الذي قامت بعمله. ولكن طموح نجاد زاد واعتقد أنه قادر على تغيير صلاحيات المرشد والولي الفقيه وحصر دوره في الشأن الديني فقط، وإبعاده عن كل ما هو سياسي وأمني واقتصادي، مستغلا حالة الغضب وعدم الرضا الموجودة بالشارع الإيراني وربط الشارع ما يحدث بالمرشد شخصيا، ونسي أحمدي نجاد أنه جزء ونتاج النظام كما هو خامنئي نفسه. طموح أحمدي نجاد لا حدود له، ولكن صدماته وإخفاقاته باتت كثيرة، والنظام بات مقتنعا بأن دوره قد انتهى، والقناعة هذه وصلت إلى المرشد والحرس الثوري والشارع نفسه، ولكن يبقى التحدي في تنفيذ الطلاق بشكل كامل. رفسنجاني كان يوصف بالرئيس «العملي»، وخاتمي كان يوصف بـ«الإصلاحي»، وأحمدي نجاد سيوصف بـ«الرئيس المتردد» حتما لأن سجله خال من الإنجازات. ويكفيه أن في عهده انخفض التبادل التجاري مع جيرانه في الخليج إلى أكثر من 40 في المائة وعلاقاته مهددة مع معظمهم. أحمدي نجاد يعيش آخر أيامه السياسية بلا شك.

[email protected]