متى يبدأ عهد أوباما؟

TT

بعد سنتين ونصف من انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة، لا تزال الخطوط العريضة للدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط على ما كانت عليه في ظل الولاية الثانية لسلفه، الرئيس جورج بوش، على الرغم من بعض اللمسات التجميلية التي أدخلها أوباما على أسلوبها دون كبير تغيير في مضمونها.

لافت أن يبقى الرئيس الديمقراطي الذي كسب الانتخابات الرئاسية معتمدا على برنامج سياسي معارض - وأحيانا مناقض - لبرنامج سلفه الجمهوري، رهين توجهات سياسة سلفه الخارجية، خصوصا حيال منطقة لم تتوقع الدبلوماسية الأميركية أن تراها في حالة الغليان التي تمر بها حاليا.

ماذا تبدل بين عهد بوش وعهد أوباما؟

جورج بوش غادر البيت الأبيض وهو يجهد لخفض حجم الوجود العسكري الأميركي في العراق. وباراك أوباما لا يزال يتعامل مع المعضلة نفسها وبالأسلوب نفسه.

جورج بوش تصدى للتصعيد الأمني في العراق بزيادة عدد القوات الأميركية البرية على أرضه. وباراك أوباما يسير على الدرب نفسه في تعامله مع التصعيد الأمني في أفغانستان.

جورج بوش افتتح عهد حرب الطائرات بلا طيار على معاقل «القاعدة» في باكستان. وباراك أوباما واصل هذه الاستراتيجية بل وعززها.

جورج بوش لجأ إلى العقوبات ليوقف تطوير إيران لبرنامجها النووي. وباراك أوباما استعمل نفس السلاح توخيا لنفس الغاية.

جورج بوش تحلى بالجرأة السياسية الكافية (وإن كان خطب ود العرب حافزها آنذاك) لإعلان تبنيه حل الدولتين كأساس لتسوية النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن خطاب القاهرة الشهير أوحى للعديد من العرب والمسلمين بأن باراك أوباما سيكون أكثر إنصافا من سلفه للقضية الأم في الشرق الأوسط، وأكثر تحررا من الضغوط الإسرائيلية، لم يساهم عهده في تقديم فرص التسوية قيد أنملة - إن لم يكن، على العكس، ساهم في تعثرها بسكوته عن عمليات البناء الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.

حتى على صعيد يعتبر أميركيا داخليا، ويفترض أن يكون قراره أسهل من اتخاذ قرارات حرب أو سلام، أي إقفال معتقل غوانتانامو، لا يبدو أن أوباما نجح أكثر من بوش في إيجاد مخرج لمشكلة مصير السجناء بعد الإفراج عنهم.

متى يبدأ، فعليا، عهد الرئيس أوباما؟

هل يمكن اعتبار التبديلات الأخيرة في طاقمه الأمني والاستخباراتي – وخصوصا الرحيل المرتقب في أواخر يونيو (حزيران) المقبل لروبرت غيتس، وزير دفاعه المعين من قبل جورج بوش عام 2006 - مؤشرا على دور أكبر للرئيس أوباما في توجيه سياسة واشنطن الخارجية؟

تشكيلات الإدارة الأميركية، الأمنية والعسكرية، قد تكون مهمة في صياغة القرار الخارجي للبيت الأبيض. ولكنها ليست بالأهمية التي يتصورها البعض، كون الرئيس أوباما هو، في نهاية المطاف، المسؤول الأخير الذي يلعب دور «المقرر». وذلك ظهر بوضوح في قراره شن «نصف حرب» على ليبيا - على الرغم من تحبيذ وزير الدفاع ، روبرت غيتس، لتدخل عسكري أوسع - وفي تجاهله لموقف وزيرة خارجيته، هيلاري كلينتون، الذي يعتبر الرئيس السوري بشار الأسد «إصلاحيا»، وبالتالي مواصلة الإدارة الأميركية التنديد بموقف السلطات السورية القمعي من المظاهرات الشعبية، وفرضها لعقوبات على عدد من المسؤولين السوريين.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل سيترك أوباما بصماته على التسوية المقترحة للقضية الفلسطينية أم سيتعامل معها، كما ليبيا، «بنصف قرار»؟

لم يعد مقنعا الافتراض بأن الولاية الثانية لأي رئيس أميركي تكون الولاية الأكثر تحررا من الضغوط الصهيونية، كما ليس مجديا تأخير التسوية الشرق أوسطية في أعقاب المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية وتنامي الضغوط الدولية للاعتراف بدولة فلسطينية، إضافة إلى الأحداث الساخنة التي تشهدها الساحة العربية.

إن كان ثمة بداية مطلوبة لعهد الرئيس أوباما، فهي لن تنطلق من موقف يتبناه حيال «الربيع العربي»، بل من موقف واضح من استحقاق الدولة الفلسطينية.. خصوصا أنه آت حتما.