برنامج «فيس تو فيث».. فرصة للحوار والتعبير

TT

منذ عدة أشهر مضت، توليت أنا وزميلتي سالي مهمة تقديم برنامج «فيس تو فيث» الذي تنظمه مؤسسة «فيث» لتوني بلير، للمدارس والمدرسين في مصر. وبرنامج «فيس تو فيث» هو برنامج تعليمي عالمي للطلاب من سن 11-16 سنة والذي يمكن الأفراد الشباب على اختلاف دياناتهم وثقافاتهم من التعلم من بعضهم البعض بشكل مباشر باستخدام برامج المؤتمرات المرئية وموقع إلكتروني مضمون، بهدف ترسيخ الفهم والاحترام بين المجتمعات المختلفة عبر مختلف أنحاء العالم.

لقد شكلنا معا فريقا مثاليا لتقديم البرنامج: مصرية مسلمة وأميركية مسيحية، شاركت كل منهما في رحلات مكثفة لتعزيز الحوار عبر الثقافات وبين الأديان. وقد أدركنا مزايا مبادرة «فيس تو فيث»، وآمنا تماما بالبرنامج اعتمادا على تجاربنا الخاصة في الحياة.وفي ضوء التوترات الحالية بين المسيحيين والمسلمين في مصر، التي تجلت بشكل واضح منذ واقعة تفجير كنيسة الإسكندرية في يوم الاحتفال بالعام الجديد 2011، أدركنا أن الوقت مهم لنشر فكرة الحوار بين الأديان، غير أننا كنا قلقين أيضا من أن الفكرة ربما تثير الجدل بشكل كبير وتنطوي على قدر كبير من المخاطر، وأيضا من أن كثيرا من مديري المدارس ربما لا يبدون تحمسهم للمشاركة.

وعندما بدأنا الاجتماع مع نظار المدارس ومديريها، أدركنا أننا كنا مبالغين في مخاوفنا. فقد رحب النظار والمديرون والمدرسون وآخرون بمبادرة «فيس تو فيث» بحرارة وحماس شديدين. وذكر مسؤولو مدارس عديدة التقينا بهم أنهم كانوا يحاولون تقديم برامج مماثلة خاصة بهم أو كانوا يبحثون عن برنامج مثل «فيس تو فيث» لإشراك طلابهم في حوار عبر الثقافات وبين الأديان.

وبعد دقائق قليلة من بدء أحد الاجتماعات التي عقدناها، سألنا ناظر التقينا به «أين كنتم؟ لقد كنا في انتظار أن نجد برنامجا على هذه الشاكلة».

وقبل أن نعرف هذا، كان لدينا نحو 75 معلما قد وقعوا على حضور أول ورشتي عمل أقمناهما – إحداهما في محافظة القاهرة والأخرى في محافظة المنوفية، الواقعة في منطقة ريفية في مصر في دلتا النيل.

وبينما كنا نجري ترتيباتنا لعقد ورشة العمل في مارس (آذار)، هزت مصر الأحداث السياسية لثورة 25 يناير، التي أجبرت الرئيس حسني مبارك في النهاية على التنحي. تم إغلاق المدارس لفترة غير محددة، وتم فرض حظر التجوال على نحو يقيد ساعات العمل، وهبت رياح عدم الثقة (والأمل في الوقت نفسه!) على مصر والمنطقة بأسرها. وحينما بات باستطاعتنا استخدام الهواتف وشبكة الإنترنت مرة أخرى، بدأنا إجراء مناقشات مع مؤسسة «فيث» لتوني بلير حول ما إذا كان الوقت مناسبا في مصر أم لا لعقد ورشة عمل على هذا الشكل.

وصممنا على مواصلة خطتنا لعقد ورشة العمل، ورأينا أنه إذا كان هناك وقت مثالي للتعامل مع حالة النزاعات الطائفية في مصر، فسيكون هو الوقت الحاضر.

ربما كانت روح الأمل التي تجتاح مصر؛ فبعد أن شاهدنا ثورة وسلسلة أحداث لم نعتقد مطلقا أننا يمكن أن نشاهدها في مصر، كان هناك شعور جديد بالتفاؤل بين الشعب المصري. وعلى الرغم من المعوقات التي واجهتنا، فقد قررنا المضي قدما.

في بداية مارس (آذار) الماضي – في الوقت المناسب – أعيد فتح المدارس، وأصبح في مقدورنا التواصل من جديد مع المديرين والمدرسين. وفي الأسبوع السابق لعقد ورشة العمل، أنهينا كل التفاصيل الخاصة بإقامة الورشة وطلبات الرد على الدعوات. وأتى يوم 11 مارس (آذار) سريعا، وقبل أن نعلم بهذا، كنا في مقابلة مع المدرس المدرب في برنامج «فيس تو فيث» – إيان جاميسون – في أول ليلة له في القاهرة.

وانضم إلينا في صباح اليوم التالي روث ترنر – الرئيس التنفيذي لمؤسسة «فيث» لتوني بلير، والذي حضر ورشة العمل. عقدت الورشة في شركة «إيدو سيستيمز إنترناشيونال» – شركة متخصصة في تقديم الاستشارات للمدارس في مصر، كما تدير مدارس «فيوتشر». وبحلول الساعة التاسعة صباحا، وجدنا الغرفة مليئة بالمدرسين، المتحمسين لبدء المشاركة والإلمام الكامل ببرنامج «فيس تو فيث». وكانت نسبة الحضور تقترب من 100 في المائة في اليوم الأول!

وعلى الرغم من أن فكرة برنامج «فيس تو فيث» كانت جديدة في مصر، فقد بدت وكأنها شيء كان كثير من المدرسين في انتظاره منذ سنوات طويلة. ومع بدء انعقاد ورشة العمل، توقعنا تساؤلات عويصة، وحدث ذلك بالفعل. ففي القاهرة، أعربت إحدى المدرسات عن مخاوفها من أن طلابها ذوي سن صغيرة جدا بحيث قد لا يمكنهم المشاركة في البرنامج، فضلا عن افتقارهم للمعلومات الكافية عن هويتهم ودينهم للمشاركة في حوار مع أصحاب الهويات والديانات الأخرى، دون أن يعرضوا معتقداتهم الخاصة لأي شبهة أو خطر.

وقبل أن يتمكن إيان من الرد، رفعت الأيادي بالغرفة، وبدأ مدرسون آخرون في الحديث. ساورني الخوف من أن تكون هذه الفكرة المقلقة قد انتشرت عبر أرجاء غرفة ورشة العمل، الخوف من أن يكون لدى آخرين الشعور نفسه. وفاجأني أن الأمر جاء على العكس تماما: فهؤلاء الذين رفعوا أيديهم كانوا متحمسين للرد على سؤال المدرسة الذي يظهر شعورها بالقلق، لأن يخبروها بأن المشاركة في الحوار بين الأديان من شأنها أن تقوي معتقدات طلابها؛ وأن الحوار عبر الثقافات وبين الأديان (بل وحتى بين أفراد الجماعة الدينية وحدها) بمثابة أداة أساسية يجب تزويد الشباب في العصر الحاضر بها، من أجل تأهيلهم ليصبحوا قادة المستقبل. ورد مدرس قائلا: «لا يمكننا حماية طلابنا؛ فلن نستطيع وضع قيود على ما يرونه ومن يتحدثون إليه وما يفعلونه خارج الفصل الدراسي. لكن داخل الفصل الدراسي، يمكننا تسهيل الحوار، حيث يكون بمقدورنا توجيه الطلاب. ولهذا يعتبر هذا البرنامج غاية في الأهمية. يمكننا خلق بيئة يجمعون فيها معلومات عن الآخرين وعن أنفسهم». وبعد مرور ساعات قليلة من اليوم الأول لعقد ورشة العمل الأولى، كان المدرسون متحمسين في دعمهم للبرنامج.

شهدت بقية فعاليات ورشة العمل في القاهرة نجاحا مدويا. بالمثل، في المنوفية، المنطقة الريفية في مصر التي تقل فيها الموارد في المدارس بشكل كبير، كانت هناك أسئلة عسيرة عن الدين، وكان المشاركون في حالة من التشكك، معتقدين أن هناك دوافع خفية للبرنامج.

ومرة أخرى، تحدث آخرون في الغرفة، بعضهم من خلال محادثات ثنائية جانبية بصوت خفيض، في حين واتت آخرين الجرأة لمخاطبة الحضور بصوت مسموع. وأيد كثيرون الفكرة، وأبدوا تلهفهم على معرفة كيفية عقد مؤتمر مرئي. وعلى الرغم من انقطاع التيار الكهربي لفترات قصيرة، فقد سارت ورشة العمل على النحو المخطط له، وبدا المدرسون متحمسين بشدة للفكرة. وعلى الرغم من أنه كانت هناك تحديات بسبب المناخ السياسي المحيط، فقد كنا سعداء جدا لأننا استطعنا إدارة ورشة العمل في الوقت المحدد. منذ قيام الثورة في مصر، دب شعور جديد بالحماس لفتح الأذهان لتلقي أفكار ومبادرات جديدة. المصريون يطالبون بالتغيير والتقدم الآن، وكثيرون منهم – سواء أكانوا مدرسين أو تربويين أو عاملين في مجال تكنولوجيا المعلومات أو نظار مدارس أو مديرين - وجدوا ضالتهم في برنامج «فيس تو فيث». ومنذ عقد ورشة عمل القاهرة، تلقينا رسائل إلكترونية عديدة من زملاء وأصدقاء للمشاركين في الورشة، يسألوننا فيها كيف يمكنهم المشاركة في البرنامج ومتى ستعقد ورشة العمل المقبلة. وبوصفنا منسقين لورشة العمل، شعرت أنا وسالي بالسعادة لإتاحة مزيد من الفرص للمصريين للتمكين. إن برنامج «فيس تو فيث» يعزز قدرة الطلاب والمدرسين على المشاركة في الحوار، وهي مهارة مهمة للحوار بين الأديان وكذلك بين المنتمين للديانة نفسها، غير أنها لازمة أيضا أثناء فترة التحول السياسي التي تشهدها مصر حاليا. فبعد أن ظلوا عاجزين عن التعبير عن آرائهم لما يربو على ثلاثين عاما، بدأ كثير من المصريين الآن يكتشفون معنى المشاركة في عدة أنواع مختلفة من الحوار، في الأغلب بين بعضهم البعض. هذه المهارات يمكن تناقلها، وسيتمكن الطلاب من استغلالها في هذه الفترة المهمة.

بعد ورشة العمل، بدأنا العمل مع المدارس والمدرسين لضمان قابلية الاستمرار في دعم برنامج «فيس تو فيث» في مصر. ونحن نخطط لعقد مزيد من ورش العمل وجلسات تبادل المعلومات العام المقبل، وهدفنا أن تقوم ثلاثون مدرسة بالتسجيل في البرنامج وأن تشارك بفاعلية في المؤتمرات المرئية ومجتمعات الإنترنت.

ومع اقتراب العام الدراسي من الانتهاء وتطلع الطلاب لإجازة الصيف، نشجع المدرسين على تعريف الطلاب بمسابقة الأفلام العالمية «فيث شورتس»، التي تنظمها مؤسسة «فيث» لتوني بلير، والتي تمنح الطلاب من سن 14 إلى 18 عاما الفرصة للتعبير عما يعنيه الدين لهم بطريقتهم الخاصة وأن ينتقلوا بذلك إلى المرحلة العالمية بالفوز بفرصة مشاهدة فيلمهم يعرض لأول مرة في الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون. وسيكون عمرو خالد أحد المحكمين في البرنامج، وهو الأمر الذي يثير إعجابنا، لأن الحصول على دعمه يشير إلى مدى أهمية الموضوع في الوقت الحالي ومدى ارتباطه بمصر. ولأن هذا العام كان مؤثرا بالنسبة لمصر، نأمل أن يفوز أحد المتنافسين المصريين بالجائزة! وعلى الرغم من السلوكيات التي تنم عن الوحدة الوطنية التي شاهدناها أثناء الثورة، فما زلنا نرى صورا للعنف الطائفي بمختلف الأنحاء، خاصة في صعيد مصر.

الدولة تشهد تحولا ونموا، ومن شأن برنامج «فيس تو فيث» أن يساعد الطلاب في التغلب على معوقات الحوار بين الأديان. فلا يمكن أن يعمل نظام ديمقراطي سليم، إذا ما كان مشوبا بمناخ من النزاعات الطائفية. وقد تجلت هذه الحقيقة في ورشة عمل المنوفية، حينما أخذني أحد المدرسين جانبا وقال لي: «المدرسون هنا بحاجة لهذا البرنامج. نحن نرغب في أن نفتح أعين طلابنا، نريدهم أن يتعلموا من الآخرين في العالم، والأكثر أهمية أننا نرغب في أن يتعلم الآخرون في العالم منا. من فضلك، عودي مرة أخرى وقومي بعقد المزيد من ورش العمل هنا، واجعلي إيان يأتي مجددا».

* منسقة برنامج «فيث تو فيس» في مصر