الأمير أحمد.. صوت للعقل والحكمة

TT

لا تزال الإدارة الأميركية بمختلف أفرعها تستغل إلى أقصى درجة سياسية ممكنة حادثة ما أعلنته بأنها وعن طريق قواتها الخاصة قامت بقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وتحولت هذه القصة إلى الخبر الإعلامي الأول فورا بل حتى أن محرك البحث الأشهر «غوغل» جعل من قصة مقتله القصة الثالثة الأكثر بحثا في تاريخ «غوغل»! وطبعا احتلت القصة غلاف كبرى وأهم الصحف وحتى المجلات مثل «نيوزويك»، و«الإيكونومست»، و«البزنس ويك»، ومجلة «تايم» وضعت صورته على الغلاف وعلى وجهه علامة إكس بالأحمر دلالة على الخلاص منه وهو ما لم تعمله من قبل الا في مقتل أدولف هتلر ومقتل صدام حسين.

ولكن تخبط الإدارة الأميركية في تصريحات متضاربة بخصوص مقتله وسرعة الخلاص من جثمانه بدفنه في عرض البحر وعدم السماح بنشر صورة لإثبات مقتله أثار لغطا غريبا وساهم في نشر قصص وترويج نظريات ستكرس لأسطورة تنظيم القاعدة وزعيمه. وركب موجة التصريحات معظم زعماء المعسكر الغربي للاستفادة السياسية القصوى من الخبر بشكل يخدم قاعدة أحزابهم شعبيا في بلادهم، وبعدها تم الكشف عن مجموعة شرائط لأسامة بن لادن في خطب مختلفة ورسائل موجهة لأطراف مختلفة حول العالم تم إذاعتها بشكل غريب ومن دون صوت غير موضحين تواريخ هذه التسجيلات التي يظهر فيها الرجل بأشكال مختلفة صابغا فيها لحيته أحيانا وأحيانا بلونها الأبيض!

ومن الصعب الاقتناع بأنه كان يدير تنظيم القاعدة وإرهابه حول العالم بتلفزيون وسلك ريموت كما ظهر في الشريط ويحاولون إقناع العالم بأن هذا المشهد هو لرجل في مركز إدارة القيادة وحقيقة هو أشبه برجل يتلصص على التلفزيون الفضائي بكابل وسلك مسروق مثل المقاهي العامة والأكشاك المنشأة في عشوائيات العالم! ومع كثرة التعليقات والتحليلات لما حدث ومحاولة فهمه اتجهت الأنظار نحو السعودية بشكل طبيعي والتي جاء أول تصريح رسمي من رجل بثقل وأهمية نائب وزير الداخلية فيها الأمير أحمد بن عبد العزيز الذي تمنى أن يكون الشر قد انتهى بنهاية بن لادن، محذرا من أن الإرهاب لم يقض عليه بعد. ثم جاء بتصريح عميق وعقلاني يعلق فيه أكثر على ما حدث وينوه بأن الإرهاب تراجع في السعودية نتاج مواجهته بقوة وحزم وجدارة، وأن السعودية تعمل على مقاومة ودرء شروره مهما كان مصدره بحرصها على المحافظة على شبابها وأهلها. وتمنى أن يكون الناس أدركوا شرور الإرهاب وثمنه وأدركوا شر الأعمال التخريبية الخاطئة. وأنكر الأمير وجود الـ«قاعدة» في السعودية بشكل قطعي كما أنكر أن تكون السعودية قد تلقت أي طلب بدفن جثمان أسامة بن لادن في السعودية كما صرحت وسائل الإعلام الأميركية على ألسنة مصادر مجهولة بالإدارة الأميركية في الساعات الأولى بعد الإعلان عن اغتيال بن لادن.

التعاطي العاقل والحكيم على موضوع بن لادن ومقتله على لسان الأمير أحمد بن عبد العزيز يوضح الفرق الكبير بين احتفاليات الكرنفالات السياسية والعقلانية الأمنية الحريصة على الصالح العام وهم الشباب وأمن بلاده ودرء الشرور عنها. اهتم الأمير أحمد بن عبد العزيز بفكرة الصراع مع الشر ودرئه ومكافحته بشكل مستمر بعيدا عن تجسيد الموضوع تحت اسم شخص بعينه أو منظمة بعينها ودون الانحراف بشكل رخيص نحو شعارات ترفع وتوظف لأسباب سياسية آنية وتستغل بشكل مقزز. وهو ما حدث في موضوع بن لادن و«القاعدة» خلال العقد الماضي من جهات عالمية مختلفة. تعاطي الأمير أحمد بن عبد العزيز كصوت مسؤول سعودي كبير مع الحادث العالمي الأبرز يؤكد «ثقل» السياسة الأمنية ونجاحها في توجهها الخاص بالحرب على الإرهاب ومواجهته، وأن ما قامت به لم يعد من الممكن إخضاعه بأنه فقط نتاج مواجهة الغرب ضد بن لادن و«القاعدة» لأن نتائج السعودية في هذا النطاق تحديدا أجدر وأهم إذا ما تم مقارنتها مع غيرها.

جميل ومطمئن أن تأتي تصريحات عاقلة وهادئة في مسألة خبرية كبيرة، وبها يرسل الأمير أحمد بن عبد العزيز باسم السعودية للعالم أكثر من رسالة كلها مليئة بالقوة والثقة وهذا مطلوب ومهم.

[email protected]