عندما تحالفت مع «الإخوان»: رد على عتاب

TT

عاتبني أحد الأصدقاء ممن أحب، أنني قسوت على الثورة في مصر في نقدي الدائم لمصر ما بعد الثورة، ورأيت أن ذلك الرأي يشاركه فيه آخرون، وكان من واجبي التوضيح، لماذا القسوة؟

بداية كنت في ميدان التحرير في كل أيام الثورة، إضافة إلى يومين زيادة من عندي بعد أن ترك مبارك الحكم. لم أدع بطولة، ولم أقل إنني «أبو دم فاير مفجر ثورة يناير (كانون الثاني)»، كما يدعي بعض المثقفين على الشاشات هذه الأيام، مثقفين وصحافيين ممن كانوا يزورون الميدان في غاية الأناقة لمدة ساعة ويرحلون. أنا شخصيا كنت مجرد «نفر»، أي فرد باللهجة العامية، لم أكن مثل بعض أصدقائي الذين كانوا وما زالوا مصدر سخرية، ممن يدخلون الميدان بحثا عن كاميرا أو بحثا عمن يحملهم على الأكتاف، الحقيقة هي أنني كنت أستحي كثيرا ممن يقول لي إنه يعرفني، وددت أن أكون مجرد «نفر»، لا أبحث عن نجومية، بقدر ما أبحث عن معارك فكرية تحرك المياه التي ما زالت آسنة في المحروسة.

كنت شاهدا على ما يحدث وكنت مشاركا، وتلك حالة اشتباك عاطفي لا تمكن الفرد من القدرة على التحليل، لكن هذا كان موقفي وموقعي.

قضيت يومين في الميدان متحالفا مع «الإخوان المسلمين» موجودا معهم في ذلك المبنى في ركن من الميدان، إلى جوار شارع التحرير المؤدي إلى وسط البلد، وهو ركن يفصله شارع التحرير عن شارع طلعت حرب، عرفت فيما بعد أن المبنى الذي كان فيه «الإخوان» هو مبنى شركة سياحة مصرية، لأنني وبعد عودتي إلى مصر مرة ثانية ذهبت للتأكد من المبنى وسألت مدير الشركة عن مالكها، فأجابني بنظرة شك وريبة ورفض الإجابة على سؤالي، قلت له «أريد أن أعرف لأن هذا المكان مهم في تاريخي الشخصي، لقد قضيت وقتا طويلا فيه أيام الثورة»، كرر نظرة الريبة. فقلت له ممكن أستخدم الحمام؟» قال لي «ليس لدينا حمامات هنا». قلت «أنت تكذب، لأن الموضوع كله في الحمام». كاد الرجل يقوم من مكانه ويمسك بتلابيبي، قلت له «إن الحمام اللي فوق، الإفرنجي، هو حمامي أيام الثورة، وهو سبب تحالفي مع (الإخوان) الذين كانوا يحتلون مكانك وكانوا يشاهدون (الجزيرة) على البروجيكتور من هنا، وكانت الصورة تعرض على هذا الحائط». التقيت هنا بالمستشار محمود الخضيري، وكذلك المستشار أحمد مكي، والداعية الشهير صفوت حجازي، وهذا رقم تليفونه، ممكن تكلمه، لأنه كان يومها يتصرف وكأنه صاحب المكان».

سمح لي الرجل بالذهاب للدور الثاني واستخدام هذا الحمام الذي كان السبب الرئيسي لتحالفي مع «الإخوان» حتى دبرت حماما بديلا. «الإخوان» يستطيعون أن يجروك إلى أماكنهم ومواقعهم في مصر لأن لديهم شيئا تحتاجه، وكان ما أحتاج إليه أيام الثورة حماما نظيفا، وكان حمام هذه الشركة نظيفا، بالتأكيد. قدموا لي الحمام، فتحالفت معهم، وساعدتهم في إقامة مركز إعلامي صغير في الميدان، وتلك قصة مهمة سأرويها فيما بعد. المهم هو أن فلسفة الحاجة إلى الحمام، ووجود من يقدمه في الظروف العصيبة كانت هي الرمزية للوضع في مصر بعد الثورة. فالجيش مثلا الباحث عن زراع شعبية يتحالف معها لكي يحكم في المرحلة الانتقالية لم يجد أمامه سوى «الإخوان»، ودخل الجيش مع «الإخوان»، لذلك لا يريد «الإخوان» أن يكون لهم مرشح رئاسي، لأن «الإخوان» يحكمون مصر بالفعل الآن، ولا يجدون مبررا أو داعيا لوجود رئيس معلن من حاملي كارنيه «الإخوان».

رأيت الثورة وهي تنتقل من عفوية الشارع والمشاعر النبيلة الراغبة في فك الأغلال، وهي تسلم الثورة «تسليم يد» لـ«الإخوان». وبدلا من عبودية مبارك واستشراء الفساد، استبدل المصريون عبودية «الإخوان» بعبودية مبارك. فـ«اللستة» التي يختارها «الإخوان» للوزارات والمستشارين هي التي تعتمد؛ من جماعة طارق البشري وتعديل الدستور إلى وزارة شرف. لفت نظري في تعديل البشري هو أن الجماعة قد صممت مادة كاملة تنم عن عقلية التشفي، في موضوع من يحمل جنسية أخرى أو متزوج من غير مصرية، وكانت تلك المادة مفصلة تفصيلا ضد كل من أحمد زويل ومحمد البرادعي بهدف إزاحتهم عن الترشح، وأصابت الطلقة أحمد زويل، وخاب ظن الجماعة الذين فصلوا المادة بناء على معلومات كاذبة مفادها أن محمد البرادعي يحمل الجنسية السويسرية. فمن يفصل مواد دستور بهدف إبعاد شخص أو شخصين هو شخصية مريضة في أحسن الأحوال. الموضوع هو أن ذات اللجنة الإخوانية ما زالت تشرف على كل ما هو قانوني وسيحكم الانتخابات القادمة رئاسية كانت أو برلمانية. اليوم نحن في حكم «الإخوان»، لذا لزم النقد، ولزم التوضيح، مصر اليوم يحكمها «الإخوان المسلمون»، ومن يقول غير ذلك عليه تقديم الدليل. أنتقد لأنني أسمع في أذني صرخات ولادة الدولة الدينية في بر مصر، لذا لزم النقد ولزمت القسوة.