الفلول في الغردقة

TT

قال عنوان في صحيفة مصرية كبرى إن «فلول النظام تحاول تخريب مباراة الزمالك والجونة في الغردقة». وأهل الرياضة لا يهزرون!.. كل شيء ينسب الآن إلى «فلول النظام». والزميل صلاح عيسى يقول إن كل نظام وضع لائحة حظر بالنظام الذي حل محله. وهذه طبعا ليست عادة مصرية، وإنما تقليد في الدول التي تمر بمرحلة تغيير، سواء بالثورة أو بالانقلاب. ومن أجل إضفاء المزيد من الشرعية على نفسه، يحاول كل نظام جديد أن يسخّف أو يجرّم من سبق، وأحيانا يحاول إلغاء كل التاريخ الذي حدث بعده. لذلك تحمل إحدى صحف الجماهيرية الاشتراكية العظمى اسم «الفجر الجديد».. لا قبل ولا بعد.

في عام 1952، شنت ثورة «23 يوليو» حملات متواصلة على «العهد البائد»، وألغت جميع أحزابه ومؤسساته، وأممت جميع الصحف، وعزلت سائر السياسيين، وحظرت بعض الأغاني، وغيرت الأناشيد العسكرية، ومحت كل «الآثار» من أسماء وسواها. وجاء أنور السادات، فلم يستطع أن يسمي رفاقه «عهدا بائدا»، فسماهم «مراكز القوى»، وضربهم، وأودعهم السجون، هم ومراكز القوة مثل «الولد الشقي» محمود السعدني.

وما يحدث الآن أمر مألوف في العالم العربي. وكل ثورة ترث ما سبقها وتمحوه. والآن حتى الأستاذ فاروق حسني يعبر عن ابتهاجه «بثورة 25 يناير»، وكاد يقول في حديثه لهذه الجريدة المتلألئة هذه الأيام، إنه ظل يحلم بـ«25 يناير» حتى الهزيع الأخير من ليل الرابع والعشرين من ذلك الشهر العظيم. فلما أفاق على ذلك المشهد في ميدان التحرير، تنفس الصعداء، كما قالت العرب في وصف بوادر الارتياح.. عندها يصعد المرء برئتيه إلى فوق.

تصرف نظام مبارك تماما بعكس ما حدث بعد «23 يوليو» و«6 أكتوبر».. أعاد الأحزاب السابقة، وفتح الباب أمام الصحف الجديدة التي انصرفت جميعها إلى الحملة عليه، وإحداها خلطت الأمنية بالخبر فنشرت نبأ وفاته على عرض صفحتها الأولى. وكان برنارد شو قد قال في حالة مماثلة «إن نبأ وفاتي فيه الكثير من المبالغة».

لا يعني ذلك أن عهد مبارك كان بلا أخطاء، أو أنها لم تكن كثيرة. وجميعنا نعرف، من قبل اليوم، أن الخطأ الأكبر كان المبالغة في التمديد، ثم الشروع في تسليم شؤون مصر إلى جمال مبارك. ويقول الأستاذ فاروق حسني إن هذه لم تكن رغبة الأب، بل رغبة الأم والابن. ومع ذلك كان هو المسؤول. وهو الذي ترك مصر من دون نائب رئيس، إلى أن فارت الدنيا وغارت الرئاسة. وهو الرجل الذي أقر عام 1990 بأن البلاد في حاجة إلى إصلاحات جذرية، لكنه بدا غير آبه، أو حتى غير مدرك، لمظاهر الفساد التي ميزت العهد وحكوماته. لا شك أن «فلول النظام» تفرح ضمنا برؤية المشكلات الحالية، أما أن هذه الفلول وصلت مواصيلها إلى ضربات الجزاء بين الزمالك والجونة!.. وفي الغردقة كمان!..