إلى آخر المحطات!

TT

كل إنسان قرفان من حياته..

إما لأن حياته مرهقة له وهو يريد أن يستريح.. وإما لأن هذه الحياة تافهة لا معنى لها ولا قيمة.. فإذا جلس في البيت، أو على المقهى، قد يجد المعنى أو يستريح من البحث عن المعنى لحياته.. أو يكون الموت المعنى الأخير لها!

وكثيرا ما نسمع أناسا يقولون: يا ريت تنتهي خدمتي وأحال إلى المعاش لعلي أستريح، أجلس في الشمس جنب الحيط، ويا دار ما دخلك شر.. كافي خيري شري.. وودن من طين وودن من عجين والحمد لله على كده!

فالذي يحال إلى المعاش سوف يعاني مشكلة خطيرة، هي أنه قد اعتاد على حياة مليئة بالناس الذين يضايقونه أو يضايقهم، وأنه رتب كل مشاعره عليهم.. على حبهم، أو على الفرار منهم، وفي استطاعتك أن تراقب حركاتك منذ اللحظة الأولى التي تخرج فيها من بيتك إلى عملك.

فإن كانت ليلتك مريحة فأنت تخرج من البيت مستريحا، هادئ الخطوات واسع الصدر، ولا تكاد تتجه إلى الشارع الذي ستنتظر فيه الأتوبيس حتى يبدأ فيلم «القرف اليومي».. سأفترض أنك وجدت مكانا في الأتوبيس وأنك وجدت الكمسري وكان معه فكة، وركبت ونزلت بسلامة الله وعبرت الشارع، وإن كان هذا صعبا بعض الشيء، خصوصا إذا كنت تعمل في وسط القاهرة، وبدأت تدخل باب المؤسسة أو الشركة أو الهيئة أو الوزارة، هنا فقط يجب أن تراقب حركاتك. ولو كانت معك مرآة لوجدت التكشيرة قد علت وجهك، وبشكل غريب جدا قد التوت شفتاك وظهر بسرعة شيء على لسانك.. أما هذا النقر في الجانب الأيسر من البطن فليس عفريتا، وإنما هو المصران الغليظ، وهذا الضيق المفاجئ في التنفس ليس سببه انسحاب الأكسجين من الهواء بسرعة، وإنما سببه أن لديك شعورا غريبا بأن كل زملائك في العمل يزاحمونك في التنفس.. وأنهم لا يأخذون من الهواء نصيبك نفسه، إنهم يأخذون أكثر منك قليلا.. فهم يسحبون الهواء من صدرك!

وإذا كنت قد وصلت الآن إلى مكتبك وجلست بسرعة وامتدت يدك إلى الدرج، وأنا أستبعد ذلك، فلأنك تريد أن تضع همك في الورق أو في ساندويتش قد حملته معك وتريد أن تأكله أو تمزقه بأسنانك، لعل هذا الساندويتش إلى شيء أو إلى أحد يعمل معك أو يعمل ضدك، أو أنت تعمل له وهو لا يدري بك.. ولا يشكرك أو لا يمتن لك: زوجتك.. أولادك.. إخوتك.. أو أنت شخصيا لا تحمد الله ولا تشكره على ما أعطاك!

وغير ذلك من الأشخاص والمشاعر التي تتكرر كل يوم مئات المرات.. في المكتب، وفي الشارع، وفي الطريق من المكتب وإليه، عشرات السنين، وذلك كله سوف يتوقف مرة واحدة إذا أنت أُحلت إلى المعاش!