اختر

TT

أوردت، في أحد أعمدة الأسبوع الماضي، الشطر الأول من البيت الثاني من ثلاثية لأبي العتاهية، هذا نصها: يا راقد الليل مسرورا بأوله/ إن الحوادث قد يطرقن أسحارا/ لا تفرحن بليل طاب أوله/ فرب آخر ليل أجج النارا/ عادت ترابا أكف الملهيات وقد/ كانت تحرك عيدانا وأوتارا. وقد نسبت القول إلى أبي العتاهية؛ لأنني وقعت على القصيدة في مجلة «الجامعة»، بتاريخ سبتمبر (أيلول) 1899، الصادرة في الإسكندرية.

ذلك اليوم حمل البريد تصحيحين من قارئين، الأول: يرفق نص الأبيات، ويقول إنها للباهلي، والثاني يورد النص قائلا إنه لابن الرومي. اتصلت بعدد من الأصدقاء لعلهم يفتون فينا فلم أوفق. ثم اتصلت بالزميل الدكتور رضوان السيد فلم يشأ الجزم، لكنه يعتقد أن القصيدة لمحمد الوراق، أحد تلامذة أبي العتاهية. وراجعنا ديوان الوراق فلا أثر فيه لـ«راقد الليل مسرورا بأوله».

فماذا نفعل؟ لو أن القراء أجمعوا فيما صححوا لاعتمدنا مرجعيتهم. هل هم على حق أم نبقى على ذمة «الجامعة» التي كانت إحدى أدق المجلات الثقافية مطلع القرن الماضي؟

إلى المزيد من الأصدقاء والأدباء والنقاد.. وليتنا لم نفعل - أو «ما» فعلنا - كما يصر رضوان السيد؛ فواحد قال إن القصيدة منسوبة للإمام الشافعي. وآخر قال إنها لمنصور الفقيه. وكثيرون قالوا إنها لابن الرومي. وقال أديب عزيز إن القصيدة كانت تنشد في القرن التاسع عشر، وإن الثابت الوحيد هو أن واضعها من شعراء الزهد.

قلت إذا كان من شعراء الزهد فكيف تكون لابن الرومي صاحب «يا خليلي تيمتني وحيد»؟ وما وصلنا إلى تأكيد. ورحم الله الدكتور محمد يوسف نجم، أستاذ الآداب العربية في الجامعة الأميركية، فقد كان منجدي في هذه الحالات. وكنت عندما أخطئ في استعادة بيت من الشعر يتصل في الصباح الباكر و«يبهدلني» قائلا إن ذاكرتي «تبهدلت»، وإن عليَّ، في المرة المقبلة، أن أتصل به قبل وقوع الفضيحة للتأكد من عدم إلحاق الإساءة بالشعر العربي، أو الضرر بقراء الجريدة.

وقد عرض عليَّ مرة اتفاقا لا يُرفض: أساعد مؤسسته في جمع التبرعات لطلاب المخيمات الفلسطينية، ويتأكد هو من «عدم وقوع ذباب في الحساء». وحافظ، حتى اليوم الأخير، على الميزات واللطائف التي تكونت منها شخصيته: المعرفة العارمة والوطنية العارمة في استلطاف الحسن والجمال. والصفة الأخيرة تطورت عنده في القاهرة، حيث درس المسرح، وتعمق في أدوار الممثلات. ومع أن تحية كاريوكا كانت أشهر راقصات مصر، فقد لاحظ فيها هو المواهب الخفية، وكتب في ذلك.

والغريب أن دكتورا آخر في الآداب كتب في رثاء تلك السيدة الظاهرة: إدوارد سعيد. فلم ينسَ سنوات نشأته في مصر، ووجوه المرحلة، سياسيين وحسانا.