خطوة لها أبعادها ومنظورها

TT

انضمام الأردن واحتمال انضمام المغرب للتعاون الخليجي خير إكليل، أو بالأحرى تاج، لتتويج موسم ما يسمونه بالربيع العربي. لهذه الخطوة عمقها التاريخي. فالوحدة العربية التي همنا بها في شبابنا وشباب آبائنا انطفأ ضوؤها منذ سنوات، وأصبحت في الواقع نكتة للسخرية. ومن أسباب انهيارها المثالية الساذجة التي لونت أحلام روادها. تصوروا أن الموضوع لا يتطلب غير التوقيع على ورقة والوقوف على بالكون لتحية الجمهور الحالم، كما فعل عبد الناصر والقوتلي. ولكنهما سرعان ما اكتشفا مرارة الوقائع العملية لدنيا السياسة. من أول هذه الوقائع أن عجلة التاريخ تدور حقا وتسحق كل من يقف في طريقها ولكنها تسحق أيضا من يحاول أن يغير وتيرة دورانها ويطفر بها. ووتيرة دوران عجلة التاريخ تعتمد الأناة والتدرج والتغير الرزين. وهذا ما فات على إخواننا الثوريين فهمه.

مما يلفت النظر أن فكرة الوحدة العربية لم تلق في منطقة الخليج من الحماس والريادة ما لقيته في دول الهلال الخصيب مثلا. ولكننا نجد من الناحية العملية أن هذه المنطقة تمنطقت بخطوات وحدوية حثيثة متواصلة لم تعرفها دول الهلال الخصيب. كان منها إقامة اتحاد الإمارات العربية ثم مجلس التعاون و«درع الخليج» وإقامة جسر البحرين، والآن انضم له الأردن. وإذا انضم المغرب إليه فسيصبح كيانا يحقق حلم الوحدويين «من المحيط إلى الخليج».

لي أمل كبير في أن الكيان الجديد سيثبت جدواه ودوامه لأنه يقوم على الأنظمة الملكية. وآمل أن يتذكر القراء ما قلته بشأنها. نحن نريد لأمتنا النهوض والنمو وكلاهما يريد منا الاستقرار والأمن والشرعية، وما من سبيل في عالمنا العربي المتخلف يوصلنا إليها أفضل من النظام الملكي.

بدأت بإشارة ساخرة لفكرة الوحدة العربية. ولكن دعوني أتوسع في الأمر لأقول إنها لم تولد من لا شيء. فلها واقعها. فأنا عندما أدخل لمقهى أو حانة وأجدها مكتظة بشتى الجماعات، إنجليز، هنود، روس، لا أسلم عليهم. ولكنني عندما أسمع جماعة منهم يتكلمون العربية بأي لهجة كانت، عراقية أو مصرية أو مغاربية، لا أملك غير أن أسلم عليهم لأنني أشعر أنهم أهلي وأبناء عمي. وعلي واجب أداء الاحترام. يبادرون بالرد علي: «وعليكم السلام». وكثيرا ما يتطوع أحدهم فيقول: «تفضل أستاذ. انضم لنا». ويبادر فيخلي مكانا لي. وينادي على النادل: «تعال يا ولد وشوف الأستاذ شيريد!» يمتلكني شعور بالدفء. إنني بين أهلي وأبناء قومي. لا تمضي دقيقتان إلا وندخل في حوار ونقاش بشأن فلسطين أو ليبيا أو ما يجري في اليمن. فبلاد العرب أوطاني من الشام لتطوان..

هذا ليس شعوري فقط. عبر عن مثل ذلك إدوارد مورتمر عندما كان محررا في صحيفة «التايمز». رد على أحد الهازئين بالوحدة العربية فقال: نعم نعترف بتعثرها ومشكلاتها ولكن لها واقعها. أنا حيثما أذهب أجد التلامذة العرب، مصريين كانوا أو فلسطينيين أو سودانيين، لا يختلطون بأحد من القوميات الأخرى غير العرب.